الانتحار الأخير (وذراع الكنغر) 1. الحالة اليمنية : يخطئ من يظن أن اليمن كان يوما من الأيام وطنا واحدا ، ولم يزل إلى الآن لا تنطبق عليه مواصفات الوطن التي نعرفها، إنما هو مجموعة من القبائل لا تخضع للحكومة الحالية ولم تخضع لأي حكومة سابقة . هي قبائل تحكم نفسها بنفسها، وكل قبيلة تملك سلاحاً يؤهلها لدخول معارك قويةً حتى مع الدولة . وما الدولة أو الحكومة التي نراها إلا تنظيم إداري شكلي لا تهتم إلا ببعض الأمور فقط . مثل التعليم والجيش وبعض أنواع الاقتصاد فقط . وهذه الحكومة هي حكومة توافقية، أنشأتها القبائل تمثلها أمام العالم، وما زالت اليمن بعيدة كل البعد عن الشكل الذي نعرفه للوطن الواحد . وما الهالة والصراخ الذي نسمعه عنها وأساليب الديمقراطية والدمقرطة التي يصرخون بها كل يوم إلا هراء وأحلام بعيدة، وما مجلس النواب إلا مجلسأ شكليا لتجمع القبائل فقط ، وكل ما نشاهده ونسمعه عن تلك الدولة الديمقراطية أحلام في أحلام . كانت اليمن فيما مضى يمنين، اليمن الجنوبي واليمن الشمالي : (1) اليمن الجنوبي : عاصمته عدن ويشمل جميع المناطق التي تشرف على بحر العرب أوالمحيط الهندي. وكانت خاضعةً مباشرة للانتداب البريطاني وتحكمها بريطانيا مباشرة لأهميتها الجغرافية لأنها تشرف على مضيق باب المندب الذي يربط بين البحر الأحمر وبحر العرب . أما اليمن الشمالي وعاصمته صنعاء فقد كان يخضع سابقاً لحكم الأئمة الزيديين. آخرهم الإمام البدر ابن يحيى حميد الدين . حكمت هذه الأسرة اليمن قروناً طويلة . دخلت هذه الأسرة مع الحكومة السعودية الناشئة في عهد الملك عبدالعزيز في حروبٍ طويلة ونزاعات على الحدود، وكان لهم أطماعهم في منطقة جيزان ونجران وفي النهاية استطاعت القوات السعودية التعمق والتوغل في اليمن حتى احتلت ميناء الحديدة وميناء ميدي الموانئ الرئيسية لليمن الشمالي بقيادة الملك سعود ثم الملك فيصل ثم الملك خالد، وكل هذا حدث في عهد الملك عبدالعزيز حتى أجبرت السعودية الإمام اليمني أن يوقع ورقة الاستسلام بمؤتمر الطائف برئاسة الملك خالد حين ذاك. جرتهم المملكة من أنوفهم وسحبتهم إلى التوقيع وتوقف القتال وانسحبت القوات السعودية من الموانئ اليمنية، واستمرت مشاكل الحدود والنزاعات حتى وقت قريب وانتهت القضية نهائياً بعد ترسيم الحدود أخيراً قبل سنتين أو ثلاث تقريباً. قامت الثورة على الإمام البدر عام 1962م. وقامت بها مجموعة متأثرة بجمال عبدالناصر بقيادة عبدالله السلال وتعتبر هذه الثورة جزءاً من مخطط ناصري ثوري يطمح إلى تغيير الحكومات العربية باسم تصدير الثورة، ولقي نجاحا في لبيا والعراق واليمن . دخلت القوات المصرية مباشرة بالحرب كما دخلت القوات السعودية في عهد الملك سعود بمساعدة الإمام البدر واستمرت حتى نهاية عام 1967 . خسرت مصر الكثير من كوادرها العسكرية وأسلحتها وأنهكت اقتصادها مما جعلها تعاني كثيراً حتى صارت مصر لقمة سهلة ابتلعتها إسرائيل في يوم واحد واحتلت سيناء. كان هذا عام 1967م ويسمى عام النكسة تحسيناً لمسمى الهزيمة الكبرى والفشل الكبير الذي أصاب الرئيس جمال عبدالناصر بمقتل لم يسلم منها بعد ما كانت قواته تضرب حتى المدن السعودية وغاراته لم تتوقف يوماً واحداً داخل الأراضي السعودية وبالذات مدينة جازان، والمملكة مستمرة في دعمها للإمام البدر حتى انتهت الأزمة ورحل الإمام البدر إلى مدينة الطائف مع أسرته والمقربين منه، عاش بالطائف عيشة هنيئة ورغد عيش يليق به، حتى ملك القصور والأموال والثراء الفاحش هو وأولاده. وهاهم جماعته يردون المعروف بهذا العمل الجبان . أعلنت الجمهورية اليمنية عام 1967م برئاسة السلال وتوالى الرؤساء على اليمن الشمالي حتى وصلت الآن إلى علي عبدالله الصالح وهو أيضاً زيدي من أتباع المذهب الزيدي الذي سنأتي عليه لاحقاً . (2) اليمن الجنوبي أو ما يسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وقد انسحبت بريطانيامنه فاستولى عليه جماعةً شيوعية وأعلنوه دولةً شيوعيةً اشتراكيةً عاصمتها عدن وآخر رؤسائها علي سالم البيض الذي يقيم الآن في ألمانيا . عندها أصبح اليمن يمنين، اليمن الشمالي وعاصمته صنعاء باسم الجمهورية اليمنية، دولة قومية عربية متأثرةً بثورة جمال عبدالناصر . والثانية في جنوب اليمن وعاصمتها عدن باسم جمهورية اليمن الشعبية الاشتراكية . تم الاتحاد بينهما إأثر حرب شرسة قام بها الرئيس الحالي لليمن الشمالي علي عبدالله صالح وأُعلنت اليمن الموحدة وعاصمتها صنعاء، حدث هذا في بداية التسعينات . رئيسها علي عبدالله صالح وتحمل اسم الجمهورية اليمنية هذه الدولة شكلية وعلى الورق لاأكثر، أما الحقيقة فإنها مجموعة من القبائل المسلحة لا تخضع لأحد. كان من المفترض بالدولة اليمنية عندما قامت أن تعمل على تهجين الشعب اليمني ودمجه في وطن واحد وتقضي على سلطة القبائل وسحب الأسلحة من أيدي الناس ودمج المجتمع بمفهوم حضاري عن طريق التعليم الجاد والاعتناء بصهر المجتمع في بوتقة ومواطنة واحدة ولكن هذا لم يحدث . الذي حدث هو تسييس المجتمع اليمني بشعار القومية العربية وجبهات الصمود والتصدي ضد إسرائيل وأمريكا وأصبح الشعب اليمني لا يحمل إلا تلك الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، واستمر الشعب اليمني جاهلا وغير متعلم تعليماً حديثا ووطنيا . وأهم القضايا لديه هو حمل الشعارات البراقة مثل الديمقراطية والحراك ولكن في دواخله قبائل متعادية، لا تتقن إلا حمل السلاح والثارات فيما بينها وجمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة واتخاذ القرارات الرعناء والمجنونة، مثل القرار الذي اتخذه علي عبدالله صالح بتأييد صدام حسين في دخوله الكويت وسحب الجالية اليمنية من السعودية معتقداً بهذا العمل أنه قضى على الحكم السعودي، وأن أبواب النفط فُتحت على مصراعيها ينهل منها كيفما يريد ولكنه أدرك أخيراً أنه انزلق في مغامرات صدام حسين وحرم نفسه من أموال السعودية ودول الخليج التي تمطر عليه باستمرار سواء من تحويلات الجاليات اليمنية أو من الحكومات الخليجية والصرف على المشاريع الجبارة . عاش اليمن خلالها في بحبوحة ورخاء وأدرك أخيراً أنه أفلس بسبب حماقته هذه ورجع معتذراً وأدرك أيضاً أنه درس لن ينساه ، وكما كان متوقعاً دائماً من سياسة المملكة الواسعة الصدر فقد قبلت العذر وعادت الأمور كما كانت . (3) الشمال اليمني : وخاصة منطقة صعدة وما يجاورها تتبع المذهب الزيدي وهو مذهب شيعي أقل تشدد وانغلاقاً لأنه لا يؤمن بولاية آل البيت عليهم السلام وتقول أن الإمام يمكن أن يكون من خارج آل البيت إذا كان إماماً صالحاً، وبذلك تقترب من المذهب السني ولا تسب صاحبة رسول الله وتعترف بهم وتحترمهم لهذا لا تعادي أهل السنة . الحوثيين : زيدية المذهب تنسب إلى بدر الدين الحوثي وتعود نشأتها إلى عام 1986م. بدر الدين الحوثي كان ضمن مدرسة مجد الدين المؤيد التي تُدرس المذهب الزيدي، انضم بدر الدين الحوثي إلى اتحاد الشباب المؤمن الذي أسسه صلاح أحمد فليته وكان يقوم بتدريس المذهب الزيدي تحول الاتحاد إلى حزب سياسي انضم إلى مجلس النواب اليمني بعدة أعضاء، وكان بدر الدين الحوثي ينتمي إلى الجارودية إحدى المذاهب الزيدية والتي تتحدث عن وجود نص نبوي بإمامة علي كرم الله وجهه . سميت بهذا الاسم نسبة لأبي الجارود . اعترض بدر الدين الحوثي على فتوى وافق عليها علماء الزيدية وعلى رأسهم مجد الدين المؤيد تقضي بأن شرط النسب للإمامة صار غير مقبول. وأن هذا حدث كان لظروف تاريخية خاصة، وأن الشعب يمكن أن يختار من هو جديد بالحكم فقط دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين عليهما السلام . من هنا حدث الفراق والقطيعة مع رئيس الاتحاد للشباب المسلم . واستقل الحوثي بمجموعته وسميت بعد ذلك بالحوثية وقد هرب إلى إيران وعاش هناك سنين عديدة . وعلى الرغم من هجرته إلا أن أفكاره المتطرفة بدأت تنمو في اليمن وخاصة في منطقة صعدة المحاذية للحدود السعودية وصارت تردد الشعارات الإيرانية في مظاهراتها ضد الدولة (الموت لإسرائيل – الموت لأمريكا). كان هذا عام 2004م وصارت مواجهات مع الدولة في تلك السنة تحولت إلى حرب قُتل فيها زعيم الحركة حسين بدر الحوثي. كان بدر الدين الحوثي قد عاد من إيران بوساطة من علماء الدين عند الرئيس علي عبدالله صالح وتسمى هذه المواجهة الحرب الأولى توالت بعدها المواجهات العسكرية مع بدر الدين الحوثي بعد مقتل ابنه حسين، وصارت الحرب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة التي نشهدها الآن والتي هي الأعنف . الاعتداء على السعودية : قبل أسبوع تسربت عناصر منهم إلى الأراضي السعودية وهاجمت حرس الحدود السعودية وقتلت واحداً وجرحت أحد عش ثم تمددت التسربات واتسعت حتى أصبحت حرباً حقيقية مع القوات السعودية ومازالت حتى الآن . قراءة الحدث : مطالبهم من الحكومة اليمنية كانت بسيطة ويمكن أن تنتزعها من خلال مجلس النواب وهي عدم التهميش وتدريس المذهب الزيدي بالمدارس ونصيبهم في المشاريع، ولكن كيف نفسر وجود هذه الأسلحة الكثيفة الخفيفة منها والمتوسطة وحتى الثقيلة؟ وماذا كان يعمل بدر الدين الحوثي في إيران عدة سنوات؟ ولماذا باشر الحرب هكذا وبلا مقدمات؟ ولماذا تسربت عناصره إلى الحدود السعودية في هذا الوقت بالذات في السنة وهو موسم الحج؟. هم يقولون أن السعودية سمحت للقوات اليمنية باجتياز أراضيها وجرى ضربنا من الخلف وهي بهذا تكذب لأن المملكة ليست من سياستها التدخل في شئون الدول الداخلية وهذا معروف في سياستها وخاصة دول الجوار. وقراءتي للحدث تؤدي إلى أن بدر الدين الحوثي تأثر بالثورة الإيرانية قبِل أن يكون من ضمن مشاريع تصدير الثورة التي تتبناه إيران هي وحزب الله في لبنان ومنظمة حماس وغيرهما من المنظمات الكثيرة التي تأثرت بالثورة الإيرانية ورضي الحوثي أن يكون يداً من أيدي إيران القصيرة التي تشبه ذراع الكنغر القصيرة التي لاتؤذي أحد وإنما تؤذي نفسها، وها هي تجهز على نفسها بانتحارها الأخيرعندما إجتازات الأراضي السعودية وانزلقت في تنفيذ مطالب إيران التي أصبحت الآن في حالة إفلاس تام وهي بهذا العمل تحاول أن توزع إفلاساتها في مواقع كثيرة وفشلها في إدارة سياستها الخرقاء، وما علمت إيران أن السقوط سوف يأتي من داخلها، وها هو الشعب الإيراني يحمل نفس اللافتة التي كان يحملها ضد الشاه (الموت للدكتاتور) يحملها الآن ضد الثورة والآيات . أما الحوثي فإنه انزلق دون أن يعلم وجعل قومه بين( المطرقة والسندان) بين القوات اليمنية جنوباً والسعودية شمالاً وهذا هو الانتحار الأخير. إن ذراع الكنغر لا يؤذي إلا الحوثي وأسياده الإيرانيين في القريب العاجل. إنشاء الله . موسى النقيدان