وفقه الله وسدد خطاه .. (( 1 )) في الحقيقة .. لقد حاولت أن أكتم هذه الكلمات .. إلا أنها أصرت علي ََّ أن تخرج وأبت أن تبقى حبيسة .. فظلت تطاردني في ذهابي وإيابي وعند منامي .. بل إني ألتحف بلحافي فتدخل معي من تحت اللحاف تهاتفني وتهمس لي .. فأقلقتني وأرقتني .. فكان لزاما ً علي ََّ.. أن أبوح وأرتاح .. وأطلق لها العنان وأفك القيد منها لتنطلق وتدخل في كل أذن أرادتها .. لازلت متشائما ً حيرانا ً متعجبا ً مستغربا ً منذ قرأت كلام سموه في إحدى الصحف الإلكترونية.. حيث اتهم المعلمين بأنهم ماديون !! وبأنهم كثيرو التشكي .. !! وبأنهم جيدون في النقد عبر المنتديات .. ولنا مع سموه وقفات عدة حول هذا التصريح المليح .. لكن قبل ذلك نؤكد : إن كان هذا الكلام والاتهام والنقد قد خرج فعلا ً من سموه وتفوه به وبه نطق.. إن الوقفات التالية تعنيه .. وكلامنا يبغيه .. لأننا ما سمعناه بآذاننا ولا رأيناه بأعيننا وهو يقوله .. بل وجدنا مكتوبا ً وبجانبه صورة سموه .. والخبر منسوب ٌ إليه .. وإن لم يكن صحيحا ً فإن كلامنا لايعنيه .. فلا ينظر إليه ولا يستهويه .. ونستغفر الله ونتوب إليه .. الوقفة الأولى : قال الشاعر العربي : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ً *** على النفس من وقع الحسام المهند .. سمو الأمير .. أنت – بعد الله - السند والمعتمد لكل معلم ومعلمة .. وقد تفاءلوا بك خيرا ً ولا زالوا يتفاءلون .. ولما انتهت ال 100 يوم ٍ استبشروا وانتظروا المفاجأة السارة .. وإذ بك تعاتبهم عتابا ً قاسيا ً يجرح القلب ويُدمي الفؤاد .. ولو كان الكلام من شخص خارج الوزارة الأم لهم لكان أهون وأسهل بكثير فقد اعتادوا على ذلك ولا زالوا يسمعون ويتحملون .. ولعملهم يواصلون .. فكيف والكلام من وزارتهم !! قد يقبل أحيانا ً مع أن الأصل خلافه فالوزارة تعزز وتشجع وتحل المشكلات لموظفيها وتسعى لأن يكون ذلك بينها وبينهم فلا أحد يعلم ولا يتدخل أحد .. بل كيف وهو الأدهى الأمر وغصة الحلق أن يكون الكلام من وزير وزارتهم! لقد كان الكلام سهاما ً حادة ورماحا ً قاتلة ..!! لقد كان سكاكين وسيوفا ً طاعنة .. بل كان قنابل متفجرة محرقة .. نسفت كثيرا ً من البنيان .. وأحرقت ما كان في الوجدان .. حطمت المشاعر .. و أعاقت كل سائر .. كيف لا وهي من سموه .. من السند والمعتمد بعد الله .. الوقفة الثانية : قال الله تعالى : (( لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم )) ذكر سموه أن المعلمين كثيرو التشكي .. وأنهم جيدون في الانتقادات .. صاحب السمو .. لم يزل المعلمون يطالبون بحقوقهم منذ سنين وسنين .. حتى تعبت أقلامهم وجفت محابرهم و التهبت حناجرهم .. !! ولسان حال الوزارة منذ ذلك العهد القديم : لقد أسمعت لو ناديت حيا ً *** ولكن لا حياة لمن تنادي !! المعلمون لم ينتقدوا ولم يتشكوا بعد يوم ٍ أو يومين من الظلم كما هو حال كثير من الموظفين والعمال في الشركات والمؤسسات .. حيث يتوقفون عن العمل ويعلنون الإضراب حتى تعاد الحقوق .. بل صبروا وظلوا في أعمالم .. واستمروا في تدريسهم .. و ثابروا في تعليمهم .. وانتظروا الفرج فلعله يكون قريبا ً .. فمرت السنون تلو السنون .. صَبَرْتُ، وَما بِالصَّبْرِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى *** إذا لم يكنْ فيهِ معابٌ ولا نُكر ولو لم يكنْ فى الصبرِ أعدلُ شاهدٍ *** على كرمِ الأخلاقِ ما حُمدَ الصبرُ فصبروا وصبروا ثم صبروا .. ولا زالوا بالصبر حتى مل َّ الصبر من صبرهم .. كما قال ذاك : صبرت حتى مل الصبر من صبري .. وقال الآخر : ما أضيع الصبر في جُرحٍ أداريهِ *** أريد أَنْسَى الذي لا شيء ينسيهِ وما مجانبتي من عاش في بصري *** فأينما التفتتْ عيني تلاقيهِ! إلا أن الوزارة لم تتجاوب ولم تتساعد مع كل هذا الصبر .. فكانت ردودها باردة جدا ً .. فقال الثالث : ودّع الصبرَ محبّ ودّعك *** ذائع مِن سرّه ما اِستودَعك فاضطروا مكرهين إلى التشكي بعد سنين من الصبر على هضم الحق .. وهنا لفتة مهمة .. هم لم يطلبوا ترقية أو زيادة .. بل طلبوا بحق لهم قد ظلموا فيه وحرموا منه .. فضلا ً عن الترقية أو الزيادة .. حق من حقوقهم .. لافضل لأحد فيه .. هم قد عُينوا عليه في الأصل .. فماذا نغضب من طلبهم !؟ فسعوا إلى تحقيق مطلبهم والوصول إلى مبتغاهم .. لعل وعسى أن يدركوه .. الوقفة الثالثة : دعا سموه المعلمين إلى التحمل والصبر حتى لو تم تعيينهم في أماكن بعيدة عن ديارهم .. وذكر أنهم لا يتحملون وأنهم يريدون النقل بسرعة ,, وضرب مثالاً رائعا ً لا نظير له وهو : ( هو ) . يعني: سموه (هو) المثال . وليته ضرب مثالاً حيا ً واقعيا ً من جنس المعلمين ومن بيئتهم حتى يكون معقولا مقبولا ً .. قال سموه بأنه ظل بعيدا ً عن أولاده وأهله طيلة ثمان سنين وهو في جدة وهم في الرياض .. ومع ذلك صبر وتحمل .. وربما لم يطلب نقل . سمو الأمير : - لو أردت الرياض لأتيتها من أول عام , فأنت من الأسرة الكريمة .. وحرمك ابنة ملكنا حفظه الله ووفقه لكل خير .. وقبل ذلك هو ولي العهد .. - ربما كنت تقدر أن تنقل إلى الرياض لكن لم تكن هناك وظيفة تليق بمقامكم. ولم تريدوا مثلها أو قريبا ً منها .. بل طموحكم لما هو أفضل منها .. فآثرتم البقاء .. مع العلم أن بعض المعلمين يقول اخصموا مني 100 أو 200 أو 500 أو 1000 لشهر أو شهرين أو ستة أو سنة كاملة .. وانقلوني عند أهلي ومدينتي أو على الأقل قريبا من مدينتي .. مع أن بعضهم ضعيفة حاله .. قليل ماله .. لكن البعد نار ٌ كاوية !! وحبب أوطان الرجال إليهم *** مآرب قضاها الشباب هنالكا . - هل كنت تنتظر الطائرة وتتكلف في الحجز .. أم كانت هي تنتظرك وتبحث عنك .. وهل كنت ربما تقلل المصروف لتوفر قيمة الذهاب والإياب! لتتمكن من رؤية أهلك وتعود مباشرة.. فتجد صاحب الإيجار المسؤول عن الغرفة التي سكنتها في المدينة التي وضعتك فيها وزارة التعليم يريد حقه .. وصاحب الدكان يريد حقه .. وصاحب المغسلة يريد حقه .. والطلاب يريدون جوائز .. والشرح يريد أقلاما ً ومساحة .. وأدوات و وسائل !! - ثم هل كنت سنويا ً تنتظر صدور تعميم النقل الخارجي لتدخل برقم السجل المدني وتضع عشر رغبات لعل وعسى أن تكون في إحداها .. ثم تتأكد وتسأل أيها فيها الاحتياج لتؤكدها وأيها مزدحمة فتزيلها ! ثم تعتمد طلبك .. وتدعو الله .. وتظل منتظرا ً متشوقا ً لأيام .. فربما تنقل وربما لا .. حتى يصدر النقل .. فتذهب إلى الشبكة وتدخل رقم سجلك .. وأنت تحمل هما ً وألما ً .. وتنتظر فرجا ً وأملا ً .. فربما تنقل وربما يخيب ظنك .. فتنتظر سنة وأخرى وثالثة .. ورابعة .. ويتكرر لك هذا المسلسل كل سنة .. أعيد وأكرر : هل كنت تضع عشر رغبات سنويا ً ؟ ثم يا سمو الأمير .. المشكلة أن الوزارة تضع من يريد الشمال في الجنوب , وتضع من يريد الجنوب في الشمال .. !! ومن يريد الغرب يكون في الشرق .. وصاحب الشرق في الغرب !! لذلك ترى الجميع يطالب .. لأن الجميع يرون التخبط عيانا ً نهارا ً جهارا ً .. ثم إن المعلم يحتاج إلى الهدوء والراحة النفسية والمعنوية ليؤدي ما عليه بأكمل وجه وأفضل أسلوب وأروع طريقه .. فهو لايتعامل مع مراجعين ولا مع موظفين ولا مع رجال كبار .. بل يتعامل مع أطفال رقيقين سهلين فلابد أن يكون رقيقا ً سهلا ً هينا ً لينا ً حبيبا ً .. وكيف يكون كذلك وهو بعيد عن أهله بعيد عن كتبه ومكتبته .. بعيد عن الراحة .. ثم يتعرض لهجمات ونقد وتوبيخ وتهم ٍ جائرة !! فكيف سيكون أداؤه ! وكيف سيصبح شرحه ..!! وكيف ستكون روحه وروحه !! الوقفة الرابعة : سمو الأمير .. المعلمون بحاجة إلى وقفة إنسانية ويد ٍ حانية .. تعيد لهم حقوقهم .. وتعيد لهم هيبتهم التي ضاعت .. وتعيد لهم مكانتهم التي فقدت .. وتعزز لديهم الطموح وتشجعهم على الإبداع وتفتح لهم أبواب التميز .. وتتيح لهم فرص التقدم .. وتوفر لهم ما يريدون .. فلعل الوزارة تعيد حساباتها تجاه المعلمين التي لازالت منذ زمن وهي تقف ضدهم .. وتصدر التعاميم خلاف مرادهم وعكس رغبتهم وكأنهم أعداء لها !! نسأل الله أن يوفقكم وأن يجعلكم مباركين .. وأن يعينكم على تحمل الأمانة .. وأن ييسرها لكم .. وأن يكون صلاح التعليم على أيديكم .. فتنالوا الأجر العظيم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وكتبه : أبو عبدالله محمد آل عبدالعزيز