أشاطركم في الأسطر التالية صورتان واقعيتان – إحداهما حدثت لي، والأخرى حدثت لأحد أصدقائي – تعكسان انعدام الكفائة المهنية الذي نعاني منه في بلدنا. و قد اخترت إعلان أسماء المؤسسات المعنية علّ ذلك يكون عونا للقائمين عليها (أو من له سلطة) في تدارك أوضاعها المشينة. الصورة الأولى (مستشفى أسطون) \"أبي نسخة من شهادة تطعيم بنتي\" نطقت بهذه العبارة لموظفة الاستقبال، التي سألتني عن السبب، فأجبتها بأنني انتقلت للعلاج في مستشفى آخر و أن الطبيب هناك طلب نسخة من شهادة التطعيم للتأكد من أن جميع التطعيمات اللازمة قد أُخذت...طلبَت رقم الهاتف لتبحث عن الملف...أعطيتها كل هواتفي و هواتف عائلتي و أقاربي و أصدقاء أصدقائي، ولكن محاولاتها لإيجاد الملف بائت بالفشل...قررَت التخلص من هذا المراجع المزعج، فطلبت مني الذهاب إلى قسم تأمين الشركات. رحلة الألف ميل... تخلص قسم تأمين الشركات مني بتوجيهي إلى قسم ثالث، و وجهني الثالث إلى رابع، و هكذا دواليك حتى انتهى بي الأمر إلى قسم التقارير الطبية. بعد شرح المعضلة (صورة من شهادة تطعيم!!) لموظفة التقارير الطبية التي كانت منهمكة باهتمام و متفانية بإخلاص، تتقافز أصابعها فوق لوحة مفاتيح..(لوحة مفاتيح جوالها!!)؛ حاولت هي الأخرى التخلص من هذا المزعج الذي انتزعها من استغراقها في عالم جوالها، فقالت لي: \"بص، روح للدكتور و خليه يكتبلك ورأه باللي انت عايزه\". كانت الخبرة التي اكتسبتها في فنون \"التصريف\" التي عانيتها في هذا المستشفى ليست باليسيرة – و كان ذهابي للدكتور يعني دفع كشفيه و الإنتظار في طابور أوله عند بابه و آخره الله يعلمه – فأصريت على أن تجد الملف و تعطيني النسخة...طلبت مني الإنتظار حتى يأتي عامل الملفات (الذي يوصل الملفات إلى عيادات الدكاترة)، انتظرت حضرة العامل... أُف أُف... جاء العامل متأففا – لأنها استدعته – و أخذ رقمي الوظيفي – بتأفف – ليبحث عن الملف...عاد بعد فترة و علامات الخوف بادية على وجهه و قال لي :\"^@!##فكنسيشن$@%**\" (كان يتكلم خليطا ممزوجا و مبسترا من العربية، و الإنجليزية، و الأوردو، و لغة أخرى لم أعرفها و لكنني أظنها الهيلوغريفية!!)...طلبت منه أن يعيد المزيج على مسامعي...فهمت بعد الإعادة السابعة أن شهادة التطعيم غير موجودة في الملف..فقدت أعصابي – و حرصت على أن يفهم أنني فقدت أعصابي – ...أجابني بصوت مرتعد :\"%$@**&\" (يعني: سياستنا في المستشفى أن لا نبقي نسخا من شهادات التطعيم في ملفات الأطفال)؛ لم أصدق ما أسمع!!...طفح كيلي – و حرصت على أن يفهم أن كيلي قد طفح؛ بادر باقتراح حلٍ، فقال:\"%$هزا زيب @(&سائة تمانيا #** ^&\"...فهمت بعدما أعاد العبارة مراراً أنه يعرض علي المساعدة – يعني \"فيها منة\" – بتدبير – أو الأحرى \"تلفيق\" – شهادة تطعيم و يجعل الدكتور يختمها بكل التطعيمات...جن جنوني!! أيعقل أن يصل انعدام الضمير و انعدام الأخلاق و انعدام المهنية و انعدام النظام و انعدام الرقابة و انعدام المسؤولية إلى هذا الحد، إلى الحد الذي يجعل العامل يزور شهادة تطعيم ؟!؟! ضاقت بي الكلمات ضاقت بي الكلمات وسعا فلم أنطقها؛ و انتزعت الملف من بين يديه...قلبت أوراقه، فإذا بي – بحمد الله و نعمته و فضله – أجد الشهادة بشحمها و لحمها و إبرها و أختامها قابعة في الملف...أخذت النسخة، و خرجت و لم أعقب؛ و ما زلت في ذهول من درجة الانحطاط التي هبط اليها الوضع في بعض مستشفياتنا!!! سعد العواد