النفس مثل البيت، فكلما كان البيت مبنياً على أصول عصية على الرياح والخراب كان أقوى وأصلب وأكثر تماسكاً، وكذلك إذا كان مبنياً على أصول غير راسخة تهتز عند أي هبة نسيم، والنفوس القوية الشجاعة والمحصنة بالعلم والمعرفة والتقوى تجدها أبعد ما تكون عن شطحات (الميتافيزيقا) و (الرهاب) من شيء لا موجود وسوف يظل كذلك، بمعنى أن تصورات عامة الناس عن الجن وقدراته وتلبسه وعن الرؤيا ودورها في حياة الإنسان، والعين وقدرتها على شل حركة هذا المخلوق الذي كرمه الله، شيء يدعو إلى العجب من أوجه كثيرة، لعل أهمها هو إنتماءنا إلى دين يقدس العلم والمعرفة وعدم الظن وسوءه، ومما يعجب له الإنسان هو كمية هذا الوهم الذي إستأسد في النفوس المريضة. تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في عدد من المواضع عن أن كثيراً من جهلة العوام يجعل الجن بمرتبة له القدرات الخارقة، وهم بحال مثل حال بني آدم عموماً فهم يخافون ويجبنون ولهم قدرات محدودة، بل تهرب من النفوس المتدرعة بالشجاعة والحزم مثل ما كان لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه -. لن أدخل في تفاصيل (التلبس) وإثبات ذلك أو إنكاره، والسحر وقدراته، كل ذلك لا طائل تحته سواء كنت مع الرأي الرافض للتلبس وهو رأي معتبر لعدد من العلماء المتخصصين وغيرهم مثل الطنطاوي – رحمه الله – والغزالي ود. صلاح الراشد ود. طارق الحبيب، والقائلين بالعكس وهم كثر حتى ألف الشيخ ابن باز رسالة في الرد على الشيخ على الطنطاوي بهذا الخصوص، لكن السؤال المهم والأبرز لماذا وصلت حال المسلمين والمؤمنين إلى هذه الدرجة من الوهم سواء بإختراع الرؤيا إلى إدعاء السحر، مما جعل البعض يصل حالات رهاب فظيعة أدى إلى الطلاق والشك والجنون، وملاحقة الوهم من وجهة نظري أن ذلك يرجع لأسباب كما هي عادة الظواهر منها الفراغ وعدم وجود هدف أو عمل يسعى إليه الإنسان يحقق من خلالها ذاته ويشعره بالثقة بنفسه وقدراته، فهو يداوي فشله ويلاعب نفسه ويدغدغها بأن مؤامرة تحاك ضده، ومن الطرائف أن أحد الأمهات عندما رسب إبنها في رابع إبتدائي جاءها وهم يقول لها إن إبنها يعاني من عين حاسدة أضاعت نجاحه، ومن يرى إبنها يعرف السبب، فإبنها (طرنبة) إضافة إلى إهمالها له بالمذاكرة والمتابعة. وأعرف إمرأة تدعي أنها جميلة طلقت مرتين لسلاطة لسانها وبحثها عن المشاكل والنكد فما كان منها إلا أن إدعت أنها مسحورة، وبعد تردد على القراء وعلى أصحاب العس والدس لم تزد إلا مرضاً! مما جعل أخيها الشاب يذهب بها إلى أحد الأطباء النفسيين الذي أدرك بعد جلسة أن مشكلتها في عدم الزواج والإحساس بقيمة الحياة ، كلم أخيها سراً بهذا الموضوع وبالفعل تزوجت هذه المرأة من خمسيني لا يستخدم حبوب الفياقرا بل حليب (البعارين) فطير الجن من رأسها !!. كان منصور النقيدان يعيش في بيت طيني بحي الشماس وكان يتردد ويسكن معه في هذا البيت بعض (الأخوان) وفي يوم من الأيام إدعى أحدهم أنه شاهد عنزاً تنزل من فوق السطح ولا يدرون من أين جاءت هذه العنز؟!، إكتشفوا بعد فترة أن هذا الأخ نام بعد أن ملأ بطنه (بطحينية) منتهية الصلاحية بدون خبز (على باله زأهد) ومنصور النقيدان ينام لوحده في هذا البيت لم يرى العنز، فقد كان أنيسة القرآن الكريم والمجموعة النجدية لابن قاسم وتكوين العقل العربي للجابري !!. وشكى لي شخص أن أحداً من الأشرار الحساد ضربه عين، فقلت لماذا؟ فقال : إنني ذهبت لسوق الخضار فركنت سيارتي فلما رجعت لها لم تشتغل السيارة فهي عين، فقلت له : هل معك (حوت) أو (بانوراما) فقال : لا سيارتي كابرس موديل 90 كأنها أحد سيارات الأجرة الذاهبة لعرعر !! إنه الوهم يقتلنا يذبحنا يتشفى بنا يأخذ بتلابيبنا ويعبث ويعربد بالنفوس المريضة الضعيفة التي لا تقدر على مواجهة الحياة وتحدياتها ولا تؤمن أن النافع الضار هو الله لا سواه !! العقيدة ليست معلومة أو تفاصيل، إنها يقين وروح وتوكل. جدتي هيلة الصمعاني لها من العمر تسعين سنة، أعجب كثيراً من شجاعتها تخرج بالليل في مزرعتها بالظلام الدامس لتنهر الكلاب المسعورة عن غنمها ودجاجها !! بإيمان وثقة وتوكل. عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : \" كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . رواه الترمذي وقال :\" حديث حسن صحيح \". وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) . صالح الدبيبي [email protected]