الصالونات الثقافية والأدبية تقليد عربي بامتياز ، لايتمثل في دواوين قصور الخلفاء المهتمين بالعلم والمعرفة والشعر والشعراء ، بل تعدى ذلك إلى مثقفين سطعت أنجمهم بهذا المجلس أو ذاك . والأغرب من هذا أن يتزعم شهرة الفكرة نساء رائدات في تذوق الفكر والأدب كسكينة بنت الحسين في العصر الأموي ، وولادة بنت المستكفي في الأندلس ، ومي زيادة في العصر الحديث .. ثم تلقف أوروبا هذه الفكرة ضمن ماتلقفته من ثقافات عربية رصينة إبان الحروب الصليبية حتى كادت أن تستحيل إلى جنس أدبي يحمل مقوماته ودلالاته الخاصة ، ثم ردت تلك البضاعة إلينا بأركان أصابتها الحمى الروماتيزمية في عواصم العالم العربي الكبرى كالقاهرة وبيروت ودمشق والدار البيضاء وغيرها . ثم يقع تقليد هذه الصالونات الثقافية الأدبية في السعودية جثة هامدة تنفخت أوداج محرريه لإحيائه ولكن لاحياة فيه أصلا لأسباب مختلفة ومعلومة من الثقافة بالضرورة . ومن أسس هذه الأسباب النية السيئة لإقامة هذه الديوانية التي تتمثل بالوجاهة .. الجناح الطائر إلى المزيد من الثراء والحصول على امتيازات وتسهيلات يمررها الشنفرى الأزدي خريت الصحراء ومجاهيل الفجاج الملتوية .. إن الهم الثقافي التنويري لايدشن إلا بالسلطة السياسية ومثقفون باعوا أنفسهم لبث الوعي وجحدوا أنفسهم لإرواء ضمأ لايرتوي من فعل المعرفة وطموح ذاتي لايقل عن طموح مقاتل لرؤية هدف يتحقق .. وهذا هدف أشبه مايكون بالرغبة الغريزية التي توجه بوصلة الكائن الحي إلى غاية فيرتعش ارتعاشة تلقي كل مايعلق بجسده وعقله نحو الراية المبثوثة في رأس الجبل الواقع خلف بحر من الظلمات .. لكن المثير للشفقة الالتجاء إلى تلك الأمسيات وإقامة الصالونات الثقافية لاكتساب المجد الاجتماعي وجعلها بريستيجا غبيا يتظاهر ببريق غيره حتى تبدو في تعاطي الكلام تعليق خلاخل على قبح ظاهر مما يؤدي إلى تشويه العلم والمعرفة ، بل هو امتهان لحقيقة العلم الذي لن يمنح إلا لمن يرقى إليه وليس عنانا يرفرف في الهواء نجتره وقت الحاجة وبانتهازية مقيتة ! صالون ثقافي يتيم التمع في سماء بريدة كالشهاب عام 1418، في رحاب منزل والد المحامي الدكتور سليمان الرشودي شرق المستشفى المركزي . هذا الصالون البسيط في حشده المتواضع هو كبير في حضوره وثقافتهم النوعية ، فقد عاش الشباب الطموح تلك الفترة بحبوحة من رغد العقل المفكر وحرية الطرح وتعاطي هواجس المراهقة الفكرية باتساع الفضاء المحيط الممتد ، لكن سرعان ماقمع هذا الصالون لأسباب معلومة وغير معلومة في آن ، لكن الحضور يرفلون بذكرى المناسبة الصاخبة من غير ضجيج والممتعة من غير ادعاء ورياء .. فارس الأمسية الأولى الدكتور عبدالعزيزالوهيبي وكانت ورقته عن – حسبما اتذكر – عن الفكر الإسلامي ومايتعلق بفرضية التفكير . وفارس الأمسية الثانية الدكتور سليمان الضحيان عن الفلسفة والمنطق في التراث الإسلامي ، أما فارس الأمسية الثالثة فهو الأستاذ الدكتور عبدالله المضيان وموضوعها عن المرأة ، ومن موضوعات الديوانية يبرز المقصد والنية الناصعة والرغبة في بث روح الوعي وحركية الثقافة التي تتأكد روح المدينة من خلالها ، ثم يبرز حقيقة التسمية فلم تتقلد لقبا من أيام الأسبوع أو اكليشة شاحبة باسم يدلي بالغطرسة وعجرفة الشهرة والبحث عن الجاه وإرضاء النرجسية الطاغية .. أيها المتألبون على أنفسكم في صالوناتكم من السبتية إلى الأربعائية لتكن دعواتكم عامة وليست شللية ، وجدفوا بأذرعة العلم فالعلم نور ، وجربوا عناصر عالمة من قاع المجتمع لا احتفاء بضيف قادم من بعيد ، وحقيقة الصالون بفحواه أكان في خلوة مسجد أو رصيف شارع أو بطن نفود أو مقهى coffee shope .. حبيب بن أوج [email protected]