(( عتق الرقاب وتجاوز الحدود المعقولة !! )) حث ديننا الإسلامي الحنيف على فعل الخير دائما ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة بعيداً عن مطامع الدنيا الفانية , ومن ذلك عتق رقبة المسلم أو المسلمة إذا كان مملوكا وذلك لوجه الله تعالى ، بل وجعله من الكفّارات المعتبرة شرعا كالإفطار في نهار رمضان أو الجماع أيضاً في نهار رمضان وغيرها من الكفّارات التي تستوجب الصيام أو إطعام المسكين أو عتق رقبة ، حتى أن أسلافنا ممن أفاء الله عليهم ورزقهم مالا حلال كانوا يسافرون إلى مجاهل أفريقيا لعلهم يجدون مسلما بحاجة إلى عتق رقبة فيقومون بإعتاقه بغية وجه الله تعالى والدار الآخرة ،ولما حرص المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه على إلغاء الرق وتحرير الأرقاء أصبح من يسعى إلى تحرير رقبة لا يجدها ، ومن هنا أصبح هناك فرصة لهم من خلال قضايا العفو عمن أبتلو بقتل عمد يتطلب أن يقام عليهم حد القصاص ، فيقوم من رزقه الله مالا بدفع دية المقتول ليتم العفو عن القاتل ، وذلك لحقن الدماء والتيسير على أولياء القاتل , خصوصا إذا كان يستحق ذلك من خلال توبته عن ذلك بل وربما يكون قد حفظ شيئاً من كتاب الله الكريم وتحسن سلوكه بعد أن ذاق مرارة السجن لفترة قد تطول , ثم إن ذلك يكون بمثابة الدية الشرعية التي عرفت في الشرع وقد تزيد عنها . لكن بعض القبائل تجاوزت ذلك من خلال المباهاة بمن يدفع أكثر لإعتاق رقبة أي ابن من أبناء هذه القبيلة من حد السيف , فوصل الأمر إلى دفع عشرات بل ومئات الملايين لذوى المقتول ، من خلال الإعلان داخل القبيلة عن الرغبة في جمع هذه المبالغ لإنقاذ أحد أبنائها , فتكون هنا سهلة على الأثرياء منهم , لكن متوسط الحال أو الفقير من القبيلة قد يضطر لبيع ماشيته أو سيارته أو أرضه أو منزله , كل ذلك من أجل أن لا تتحدث عنه القبيلة بأنه لم يشارك في حقن دم أحد أبنائها ، مما أضطر بعض القبائل في بعض المناطق للوقوف بحزم أمام هذه الظاهرة وإلغاء أي مظهر من مظاهرها , وهذه تحتسب لتلك القبائل التي بادرت بها ، لكن بعضها استمر في ذلك حتى أضحت حديث المجالس والمنتديات والصحف اليومية والقنوات التي تشجع ذلك ، بل وأعادتنا إلى جاهلية تجاوزناها ولله الحمد . أمر آخر وهو أن حقن الدماء مطلب مهم خصوصا إذا كان المعتدى قد تاب وأناب وندم على فعلته لكن قد تكون تلك الظاهرة مما يجعل ارتكاب الأخطاء وحتى القتل العمد عند بعض الشباب سهلا وميسرا لاسيما إذا علم أن قبيلته سوف تتنادى من أجله ولن يناله القصاص ، وهنا نعود إلى ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم حينما قال ( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) . ولقد حدثني من أثق فيه نقلاً عن أحد العلماء أنه كان وسيطا بين أهل القاتل والمقتول وكان يبذل جل وقته للانتقال بينهم , فمرة هنا ومرة هناك من أجل الصلح والعفو , وكان حريص جدا , لكنه لا يعلم ماذا يدور تحت الطاولة ، ولما رآه أحد حكماء القبيلة على هذه الحال أحس بأن هذا عيب في حق عالم مثله فأبلغه أن كبار القبيلة حددوا سقفا لمبلغ محدد ومقنن ، وما لم يصل الرقم إلى هذا المبلغ لن يتم شيء , ولذا عليك أيها الشيخ أن تخفف على نفسك قليلا , لأن الأمر أكبر مما تتوقع ، وهنا عمد الشيخ إلى الانسحاب من براثن هذه الجاهلية تاركاً الجمل بما حمل مع الأسف . ولكن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وهو المطلع على كل ما يجري حفظه الله أحس بأن الموضوع تجاوز الحدود فأمر بتشكيل لجنة من عدة جهات , وصدرت موافقته - حفظه الله - على ما انتهت إليه اللجنة المشكلة من وزارات الداخلية والعدل والشؤون الإسلامية والمالية والشؤون الاجتماعية والثقافة والإعلام ومؤسسة النقد العربي السعودي ورئاسة الاستخبارات العامة بشأن دراسة ظاهرة المبالغة في الصلح في قضايا القتل بشكل عام وما يرافقها من إقامة مخيمات لجمع تبرعات الدية لورثة القتيل , وكان من أهم التوصيات التي توصلت إليها اللجنة , منع إقامة المخيمات واللوحات الإعلانية التي تعد لجمع التبرعات لذوي القاتل لدفعها إلى ورثة القتيل ,كما أوصت بإنشاء لجان إصلاح ذات البين في جميع إمارات مناطق المملكة أسوة بما هو موجود في منطقتي الرياض ومكة المكرمة ويكون مقرها إمارة المنطقة , ويجوز عند الحاجة إنشاء لجان في المحافظات تعمل على الإشراف على تنظيم اجتماعات لممثلي ذوي الشأن في التفاوض أو الصلح , وشددت اللجنة على ضرورة منع القاتل أو ذويه من استخدام أي وسيلة إعلامية لجمع تبرعات لقيمة الصلح , وحددت اللجنة جملة من الضوابط لتنظيم عملية جمع المبالغ المالية للصلح في العفو عن القصاص , فشكرا لخادم الحرمين الشريفين ( حفظه الله ) والتي ليست مستغربة من مثله . أسعد الله أوقاتكم عبدا لرحمن بن محمد الفرّاج [email protected]