ينتشلون ذواتهم القريبة وبقاياهم الراحلة إلى أماكن أُخرى، يلملمون ما وهبتهم الدُنيا ويدونون ما لم تهبهم مراراً ، ينادون أرواحهم المسافرة إلى البعيد و أواخر الأسطر في روايات حياتهم ، يعبرون أمام خطوط الفجر البيضاء ، وتتكرر أمامهم زفات الشمس ، يحاولون العيش بسعادة وكلما غابت \"رسالة الحياة \" فيهم كلما قلت فرصة الابتسام والخلود والعظمة . رسائل الحياة لا تحتمل شكلاً ومضموناً واحداً ولكنها تتفق في كونها شعلة داخلية تختلف باختلاف البشر وأنها تأثير قد يُبصم على القرون الطويلة ، وإن كُنت سأرسم أجمل الرسائل البشرية ، فلقد عاش روعتها سيد البشر حينما حمل \"الإسلام\"رسالة حياة أبدية استظل بها وضحى من أجلها ودافع عنها ، وعاش لها. رسائل الحياة قد تكون منطوقة أو مكتوبة أو ممثلة بمواقفنا و لا تخلو من الأمل ، هي الاستجابة إلى نداء الروح و إلى حلم سامي في الأعماق ، ليتحقق مراراً، هي خلق الإبداع ، هي التفاته نحو صراع حق ، هي أن لا تعبث بك صرخات الدنيا الموزعة بين الجسد والمادة فتسلب منك حرية الاستماع إلى الروح حينما تُطالب بأبسط حقوقها : التأمل ، البحث ، القرار ، التحقيق . مؤمنةٌ بأن هناك رسالة تولد مع كُل مولود ،كما أن الحياة ترسل رسائلها ، قد تُسقى تأملاًً أو تذوب غفلة ً أو تختفي نسياناً ، قد يوقظها لحنٌ ما ، قد يترددون في حمل شعاراتها ، قد يحاولون النجاح ، قد يكافحون ، وقد يطفئها الحاجز الأول عندما تنعدم أبجديات عشقها وقناعات الموت لأجلها. لا شيء أعظم من أن تكتشف رسالتك في الحياة وأن يكون حبها بلا مدى ، هي غاية لاتصل إلى نهايتها حتى مع رؤيتها تحقق أمامك ، فقط لأنها تنقش لحياتك معنى ، وترسم إجابة لوجودك فتشعر بالرضا مدى الأزمان . رسالةٌ قد تخاطب الوطن فتخطو من أجله ، رسالةٌ تشم الموت كلما اقترب تحقيقها على عتبة انتصاره ، حينما كانت الرسالة جيشاً يُدعى صلاح الدين الأيوبي ، الذي لم يبتسم في حياته قط حتى حرر القدس ، كذلك كان يتنفس الحياة أن تتنفس رسالة تحرير أرض ٍهواها .و يجد لوجوده إجابة ضخمة . رسالة قد تكون تخريج جيل يسمو بقيمة يحملها مُعلم ٌ يُغني رسالته في كُل أجزاء الوقت ، \"كاد المعلم أن يكون رسولا\" ، فمن ذا الذي تختاره الرسالة بينهم ، وأي خلق ٌ ومبدأ يسعى لغرسه متمنياً وراجياً ، في زمنٍ مضى اختار الإمام أحمد بن حنبل العذاب والضرب والسجن دون أن تذبل رسالته في \"مسألة خلق القرآن\" والتي خلقت صراع المعتزلة مع خلق حروف القرآن وأبى إلا أن يدافع عنها ،و كان المعلم العظيم مع تلاميذه والذي رسخ بروعة سجاياه وصبره رسالة ٌ عنوانها الإصرار والمواصلة دون الالتفات إلى همسات الدُنيا والبشر.. منذ قرن ونصف أبكت( هارييت ستاو )الكاتبة ، شعوب أمريكا وأوربا برسالة حرية حملتها لأولئك العبيد المكبلين بسلاسل العبودية والقهر ونظام الرق فأعلنت لموهبتها قراراً ببدء نشر روايتها \"كوخ العم توم\"، في أحد أعمدة الصحيفة المحلية ، فانكب الشعب على قراءتها وتابع الصحيفة وخرج عشرات الآلاف متظاهرين حينما كانت الأخبار تدل على توقف نشرها ، وواصلت رسالتها رغم تهديدها بالقتل واتهاماتها بالتحريض، وأثارت القضية بملامسة الحس العاطفي الإنساني ، بعد أن كان حبرها الشرارة التي أشعلت حربا أهلية ، انتهت بإنهاء تام لنظام الرق في أمريكا ، كانت تلك الرسالة رواية لا ينساها الأدب العالمي . رسالةٌ دونها الإسلام أن (نزكي وأن نتصدق ) ،ولكن امرأة ما حملتها خارج إطار الواجب في الدين وظلت مكافحة الجوع والعوز رسالتها الأبدية وصفحات أيامها التي لا تغفل عنها ، توزع الأطعمة وتتقاسم مالها معهم ، بل تبحث عنهم ، وتشتري سعادتهم وأمنهم ولم تغفل يوماً فقد كانت تجد فيهم إجابة لوجودها ، كانت حاملة الرسالة \"زينب بنت جحش\" زوجة النبي عليه الصلاة والسلام ، كانت أعظم كرماً وأكثر الأمثلة روعةً وعطاءاً ، كانت تبيع ما تصنعه وتتصدق به وقال عنها الرسول \"أطولهن يداً \" كناية ً عن عظيم عطاءها . رسالة أن تطمس ظلم ما و أن تخنقك رؤية سحق الكرامة ، فتصنع دستوراً لرفع الحق ، رسالة أن ترسم خلقٌ جميل في كُل مكان تحل به ، رسالةٌ أن تضع ابناءك نصب عيناك ليكونوا عظماء الزمن القادم ، رسالة ٌ أن تُشعل نوراً وأملا في ظلام من تلقاهم . لو جعلت بحار الكون حبراً من أجل \"الرسالة \" لما كتبت سوى القليل و آخر ما سأقوله:اختر في الحياة رسالة لاتُنسى ، حتى لو رسخت في ذاكرة بضع من البشر ،حتى لو ساهمت في إسعاد قلب ٍ واحد،فكلما حاولت التناسي والعيش بلا هدف كلما ضاعت الإجابة وبدأت البحث عن ابتسامة حقيقية . همسة/ اللقاء هو الخلود في الذاكرة ، لذا لن يكون الرحيل فراقاً في كُل الحالات منيرة بنت عمر آل سليم