من يعزف بأوتار الحياة ويتغني بألحانها عبر قصائد لاتحمل أبياتها شعرا بقدر ماتحمله من غرور وكبرياء فكأنما يتغنى بالخلود الدائم في دنيا فانية مثله في ذلك كالببغاء التي تتنقل من شجرة لأخرى وتقف فوق غصن لتقلد كلمات وجملا ينطقها الآخرون دون فهم لمعانيها. وحينما قال فلاسفة الإغريق قبل الميلاد إن لكل بداية نهاية ولكل بسمة تخرجها الشفاه دمعة تنسكب من الأعين فلم تكن كلماتهم مجرد جمل إنشائية أرادوا من خلالها أن يسطروا عبر تاريخهم فلسفة تشير إلى براعتهم. لكنهم رسموا بتلك المقولة واقعا ينبعث من داخل كينونة الإنسان الذي تكون ولادته بداية لحياته الدنيا وتأتي وفاته منهية لها. وان كان الإنسان سيغيب ذات يوم فان استمراريته في ذاكرة الآخرين قد تبقى سنين وقد تغيب بعد لحظات من غيابه وتواريه الثرى وبقاء ذكراه لاترتبط بقصور شيدها ولا مبان رفع أدوارها ولا أرصدة بنكية أو سندات ماليه فالخلود بالذاكرة ونقلها عبر الأجيال والحفر في صفحات التاريخ تعتمد على ماقدمه من انجاز. لذلك فعلينا أن ندرك أن لحن الحياة هو بداية ونهاية وبسمة ودمعة,وبينهم مشاكل وصعوبات فلانهاية تتحقق إلا بصعوبة وعناء ومن الصعب أن نفرح كثيرا لان الحزن سيأتي في ابتساماتنا فيحولها إلى دموع قد تشكل دموع الفراق لتخرج رغما عنا ودون رغبتنا. وإذا جاء الفراق يوما فبعده سيأتي الحنين لأيام مضت وعندها ترسم الذكريات لجروح قد تبدو طفيفة ويسهل علاجها غير أن ظلام الأضلع أنست كل بارقة ضوء قد يأتي من هنا أو هناك لوقف النزيف وتضميد الجراح. وان علا الإنسان وارتفع فمن المؤكد انه سيكون ضمن ماضي الزمان ولا وجود له بعد الغياب سوى ذكرى تروى عبر الأجيال عن أيام عاشها مع من حوله وترك أثرا حميدا خلفه أو عملا لايغفر وبينهما فرق واضح كنور النهار وظلام الليل. ولانحزن إن غدر بك البعض ممن وهبتهم من عمرك أياما ومن وقتك لحظات سعادة ورحلوا صوب خيالهم الواسع وتركوك فريسة لبعض المرتزقة فمثل هؤلاء ماهم سوى دمى متحركة كتلك التي يداعبها الأطفال وتوقف صيحات بكائهم وتعمل ببطاريات جافة تنتهي صلاحيتها مع مرور الأيام . أما أنت أيها الإنسان فلك من المحبة في قلوب الآخرين مالا يقدر بثمن ولا يوزن بذهب وتذكر أن يديك التي حملت رائحة الورد ستبقى نظيفة لاتحتاج لمعقم لإزالة الجراثيم أو البكتريا فرائحة الورود منبعثة من بين أصابعك . ومن قابلك بابتسامة مصطنعة فسينزف الدمعة لاحقا فلا تكن عجولا وأعلم أن البداية وان كانت لها نهاية فان البسمة ستكون لها دمعة . ولا تحزن فيكفيك ابتسامة أولئك الغرباء الذين جالستهم وزرت موطنهم فوجدت نفسك محمولا على أعناقهم وحضنوك بين أذرعهم ووضعوك كتاج على رؤوسهم. وهؤلاء من مهدوا لك الطرقات وصعدوا معك إلى قمم الجبال لأنك الإنسان الذي خاطبهم وأبعد أحزانهم ولاتحزن فأنت مرسوم في ذاكرتهم ومروياً لأجيالهم فأنت لست بقايا ورد مهدى لكنك باقة ورد وسط حقل يشتم الجميع رائحته وينظر إلى جمال ألوانه. قال توماس أديسون “ يخسر الناس معظم الفرص التي تواجههم، لأنها تأتيهم دائماً بملابس العمل،، فلا توجد فرصاً مجردة من الجهد إلا في الأحلام، ولا يقابل الفرص في الأحلام إلا النيام “