أنها فتاة متفوقة ، قطعت مراحل دراستها بتفوق ، ودخلت المرحلة الجامعية في تخصص أدبي – حيث لايوجد في مدينتها الصغيرة سوء هذه التخصصات – خلال دراستها الجامعية مرت بعدة ظروف ولكنها كعادتها تفوقت على هذه الظروف بأقل الخسائر ، فلقد تخرجت بتقدير جيد جدا ، عند تخرجها لم تسعها الفرحة فقد رسمت في مخيلتها حلم جميل ، بان تصبح معلمه تنتمي إلى اشرف مهنه مهنة الرسل ، لتتشرف بتعليم بنات وطنها وصغيراته ، لم تصدق بأن الديوان فتح أبوابها للتقديم ، ولكن الشروط كانت قاسيه جدا كأنها داخله إلى حرب وليس إلى وظيفة لم تصدق بأن الزمن مازال يترصد لها ، حاولت وقاست وجمعت الأوراق من هنا وهناك وكأنها في سباق مع الزمن أخيرا انتهت من تقديم أوراقها في انتظار الإعلان عن الوظيفة ، هل ستكون في مدينه ؟ أم قرية ؟ وما شكل هذه المدرسة ؟ أحلام وأحلام ، وأصبحت بشكل يومي تتابع الصحف المحلية والإعلانات ، واتي اليوم وتمنت انه لم يأتي وأنها بقيت في حلمها الجميل ،فلم يرد اسمها من ضمن القوائم ، السبب كما هو معروف لا تحتاج الوزارة ، مع أن النقص في تخصصها مازال قائم ، إلا أن جهاز الوزارة مازال عالق بتلك الجملة لايوجد احتياج ، تجرعت مرارة خيبة الأمل ، ولكن الدنيا لم تنتهي ، ومازال هناك بصيص من الأمل ، فلقد نصحتها إحدى زميلتها ، بأن تقدم في مدرسه أهليه ، كم كانت فرحتها كبيره ، عندما علمت انه مازال هناك أمل في العمل بالتعليم ، وبدأت الأحلام تعود مرة أخرى إلى مخيلتها ، ولكن لم يكتب لها الفرح ، فكلما تقدمت إلى مدرسه وجدت الشروط أصعب ، وملفات والمتقدمات أكثر ، ولكن أبيها لديه معرفه بأحد الأشخاص الذين لهم صلة بمالك مدرسة أهليه ، مرت الأيام وكأنها سنين ، حتى جاء اليوم الذي ظهر فيه بصيص الأمل مرة أخرى بأنها سوف تدرس في هذه المدرسة ، كم كانت فرحتها عندما علمت أنها أخيرا ستعمل ، رسمت في مخيلتها راتب مجزي وعلاوات ومكافآت ،ولم تعلم انه إلى يومنا هذا لم يصدر نظام يلزم ملاك المدارس برواتب مجزية للمعلمين والمعلمات ، لكن الفرح كان على عداوة معها ، فلقد كانت الصدمة كبيره ، ستعمل ثمان ساعات مقابل (900) ريال تسعمائة ريال ، راجعت قراءة العقد مره أخرى دققت في الرقم أكثر من مره لعله تسعه ألاف ، لعلهم لم يكتبوا هذا الصفر اللعين ، ولكن لم تدم حيرتها فلقد أكدوا لها انه فقط تسعمائة ، وسيزيد إلى أقصى حد ألف ريال في حال أنها تفوقت وأثبتت حالها ، لقد تسألت هل يعقل أن الفرق بينها وبين عاملتهم المنزلية فقط خمسون ريال ، فهي تتقاضى ثمان مائة وخمسون مع الأكل و السكن والإقامة والتذاكر ، بل هي أفضل حال منها ، هل وصل العلم إلى هذا الرخص ، هل هذه السعوده التي نحلم بها ، برواتب لا تكفي للقمة العيش ، فكيف بمستلزمات الحياة الأخرى ، وافقت على مضض ، ولم يكن إمامها إلا هذا الطريق أو البقاء في المنزل ، أرادت أن تعمل حتى تأتيها وظيفة من الوزارة ، بدأت وكلها نشاط ، أول العقبات بل الصدمات التي وجهتها ، أن المدرسة لا تؤمن لهم النقل ، بل عليها أن تتعاقد مع سائق خاص يقلها إلى المدرسة يوميا ، اتفقت هي ومجموعة من زميلاتها الأتي في نفس ظروفها ، لقد وجدت أخيرا سائق بثلاثمائة ريال شهريا مع زميلاتها ، لعل الأمر خير ، لم يتبقى لها إلا ستمائة ريال من راتبها ، بدأت تحسب مصاريف الإفطار يوميا أنها ستحتاج في الشهر مائة ريال ، لم يتبقى إلا خمسمائة ، ولكن أين تذهب ، هناك مصاريف لبسها وما يلزمها كمعلمه ، لكي تظهر بشكل مشرف أمام تلميذاتها ، ستخصص مائة ريال شهريا لمستلزماتها لعلها تكفي ، لم يتبقى إلا أربعمائة ريال ، أنها نعمة وفضل من الله ، أذا علمت أنها وعمال النظافة يتقاضون نفس الراتب فهم أيضا يتقاضون أربعمائة لكن هم أحسن منها فلديهم مميزات أفضل منها أخرى ، ولكن لم تعلم أن مصاص الدماء مالك المدرسة لن يتركها في حاله ، لقد فرض علي المعلمات جوائز وأعمال للمدرسة بشكل شهري تقضي على ماتبقى من الراتب ، والتي تخرج منهن عن طوعه فأن مصيرها الطرد والإبعاد من الوظيفة ، فلا يوجد قانون يحمي هؤلاء الضعيفات ، بل تركنا تحت رحمت ملاك المدارس الذين استبدوا ، وحولوا اشرف مهنة إلى تجارة وزيادة في رؤس أموالهم ، ولم يكتفي بذلك بل وصل الحال إلى استعباد الناس ودفع الملاليم كرواتب لهم ، وهو يدخل عليه في السنة ملايين الريالات من التلاميذ ، لم يقف هذا الأمر إلى هذا الحد بل طلب من المعلمات أن يقمنا بصبغ حجر الدراسة في مسابقة أنظف فصل على حد زعمه وهي في حقيقتها مسابقة أنظف جيب ، وتوعدهن عبر تعميم داخلي أن من يقوم منهن بطلب تبرعات من التلميذات أو جمع أي مال فستعاقب ، إذن هي بحاجة إلي سلفه على راتبها لكي تفي بمتطلبات المدرسة ، لقد تغير حالها من إنسانه فرحه إلي فتاه تعلوها الهموم والكأبه ، فكانت تطلب المدرسة بالرواتب القليلة فأصبحت مدانة للمدرسة بالكثير من الأعمال التي لايكفي راتبها لانجازها ، تعود من مدرستها كومة من اللحم متهالكة من أعباء العمل وهموم المستقبل ، كم تمنت أنها لم تكمل دراستها ، كم تمنت أنها لم تكن مواطنه بل تعامل كما تعامل المعلمات الأجنبيات ، فهن لايطلب منهن كل هذه الطلبات ، بل يؤمن لهن السكن وتذاكر السفر، وتفرق معهن الرواتب بالنسبة لعملة بلدهن . كل هذا المسلسل يمر يوميا في مئات المدارس الأهلية للبنين والبنات ، كل يوم وأبناءنا وبناتنا معلمين ومعلمات تحت رحمت مصاصي الجيوب والدماء من ملاك المدارس ووزارتنا المصونة وزارة التربية لاتعيرهم أي اهتمام ، بل المصيبة اكبر إذا علمتم أن هذه المدارس في حقيقتها ماهي إلا مكاتب لبيع الشهادات ، فجميع الطلبة والطالبات سواسية في الدرجات ، بل أن هذه المدارس نجحت في القضا على الفروق الفردية فجميع التلاميذ ناجحون وبامتياز بمجرد دفع الرسوم ، أن هذه الصروح والتي بدأت تكثر إنما هي صروح هدم وتخريج فاشلين إلى المجتمع في منظومة تعليمنا ، أن ملاك هذه المدارس ضربوا بالأمانة والشرف والرحمة وجميع مواثيق الإنسانية عرض الحائط من اجل هدف واحد وهو المال ، نعم المال فهم على استعداد لهدم التعليم وخيانة الأمانة مقابل المال ولا يعلمون أن ماستقطعوه من أموال إنما هي قطع من نار جهنم ، نسال الله أن يصلح تعليمنا وأحوالنا وأحوالهم ويهديهم إلى بناء المجتمع وإيقاف أموالهم في نشر التعليم بدل تحويله إلى مجال تنافس تجاري وهدم أخلاقي . عبدالرحمن عويض الجعيد