هل تصل الحال بالمسلم إلى درجة أن يسأل الله أن يصرف عنه المطر؟ الجواب نعم! لأن الله عز وجل شرع الاستسقاء، وهو دعاء الله عز وجل أن ينزل المطر، لدفع الضرر الحاصل بسبب انعدام الماء أو قلته. ولا شك أن ذلك ضرر عظيم، قد ينهي الحياة تماما، كما جاء في الصحيحين أن رجلا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: \"يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعو الله يغيثنا...\". فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ربه، فمطرت السماء، واستمر المطر أسبوعا، إلى الجمعة التالية. فدخل رجل (قيل نفسه وقيل غيره، وقال أنس راوي الحديث: \"لا أدري\") فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم نفس السؤال، لنفس الضرر، ولكن السبب تغير، قال: \"يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعو الله يمسكها\". يعني يمسك السحابة بأن يتوقف المطر عنهم. فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قائلا: \"اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال، والآجام والظراب، والأودية ومنابت الشجر\". قال أنس رواي الحديث: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس. هذا الحديث يعد أصلا في مسألة \"الاستصحاء\" بمعنى طلب الصحو، وهي عكس معنى الاستسقاء. يقول ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني (441/2): \"وإذا كثر المطر بحيث يضرهم، دعوا الله تعالى أن يخففه، ويصرف عنهم مضرته، ويجعله في أماكن تنفع ولا تضر؛ كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم\". فبناء على ذلك، هل نسأل الله عز وجل أن يصرف المطر عنا داخل مدينة الرياض، ويصرفه إلى الشعاب والأودية؟ أعتقد أن الجواب نعم أيضا. لأن ما يحدث مثلا في نفق السويدي غرب الرياض، أو في أحياء الروضة والنسيم والخليج شرق الرياض، يعد ضررا بالغا، عجزت مؤسسات الدولة عن علاجه. وبعد حادثة باص البنات الذي غرق في نفق السويدي قبل ثلاث سنوات، بدأت أمانة مدينة الرياض مشروعا ضخما لتصريف السيول في ذلك المكان، وانتهى المشروع قبل أشهر قليلة. فكشفت أمطار الإثنين الماضي أن المشروع لم يغير شيئا، وبعض المعلقين على الأخبار عبر الإنترنت قال: أعيدوا لنا النفق كما كان، فإنه كان أخف ضررا. ما دعاني إلى كتابة هذه الأسطر، أن بعض الناس يستغرب وينكر عليك حينما يسمعك تسأل الله أن يصرف المطر عن داخل المدينة، ولو أن أخته أو أمه كانت ضمن باص البنات الذي غرق في النفق، لأدرك فداحة الضرر الحاصل، وأن المطر، وسوء تصريفه، سبب ضررا أبلغ بكثير من الضرر الحاصل بعدم نزول المطر، على المدى القريب طبعا. وكذلك ما يقع فيه كثير من الناس حينما يفرحون بالغيم، ويتوقعون أن كل سحاب يتجمع يعني الخير. وهذا غير صحيح، بل إنه مخالف لهدي المصطفى عليه الصلاة والسلام. فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوما غائما، عرف ذلك في وجهه، وتغير لونه، يعني من القلق، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت السماء سري عنه، وذهب عنه القلق. وقد لاحظت عائشة رضي الله عنها ذلك فسألته قائلة له: إن الناس يفرحون بالغيم، فما بالك إذا رأيته عرف في وجهك القلق والخوف؟ فأجابها بقوله: \"يا عائشة، وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب! قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا\". لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الريح، وثبت عنه أنه كان يقول إذا عصفت الريح: \"اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به. وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به عبد الرحمن محمد المسيعد