الذهب يتجاوز 3400 دولار للأوقية    مذكرة تفاهم لتمكين الكفاءات السعودية لبناء مشاريع ريادية    تناقش التحديات الاقتصادية العالمية.. وزير المالية يرأس وفد المملكة في اجتماعات الربيع    السودان.. إعادة تشغيل 91% من أقسام الشرطة بالخرطوم    العراق: لا تهاون أمني رغم تعزيز العلاقات مع دمشق    رفضوا توظيف القضية لخدمة أجندات خارجية.. نواب أردنيون: «الإخوان» تستغل «شماعة فلسطين» لتقويض أمن الدولة    في الجولة 29 من روشن.. الاتحاد يعزز الصدارة.. وتعادل الهلال بطعم الخسارة    بحثا الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.. وزير الداخلية ونظيره العراقي يستعرضان سبل تعزيز التعاون الأمني    في الجولة 30 من يلو.. نيوم للصعود رسمياً لدوري الكبار    مُحافظ وادي الدواسر يفتتح دراسة مساعدي مفوضي تنمية القيادات    رأس الاجتماع الدوري للجنة السلامة المرورية بالمنطقة.. أمير الشرقية: القيادة الرشيدة حريصة على رفع مستوى الأمان على الطرق    "فلكية جدة": لا صحة لظهور الوجه المبتسم بسماء السعودية    انطلاق معرض الصقور والصيد السعودي في أكتوبر المقبل    إطلاق مبادرات مشتركة لخدمة المجتمع وترسيخ القيم.. الثقافة توقع اتفاقية مع "تيك توك" لتطوير مهارات المواهب    نحن والصمت    ظاهرة الكرم المصور    فوائد    حكاية أطفال الأنابيب (1)    الريادة في الأمن السيبراني    نظام للتنبؤ بالعواصف الترابية    الأمير بندر بن سعود: دعم القيادة للتعليم صنع نموذجاً يُحتذى به عالمياً    محافظ الطائف يناقش احتياجات سكان المراكز الإدارية التابعة للمحافظة    محافظ الطائف يرعى بعد غدٍ ملتقى "افهموني" بمناسبة اليوم العالمي للتوحد    "تعليم الطائف" تحتفي باليوم العالمي للغة الصينية    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة (أمان ) بالمنطقة    هل ينتهك ChatGPT خصوصية المستخدمين    تهديدات تحاصر محطة الفضاء الدولية    أمير القصيم يكرم الطلبة والمدارس بمناسبة تحقيق 29 منجزًا تعليميا دوليا ومحلياً    فرص الابتعاث الثقافي في قطاع السينما    ميغان ماركل متهمة بالسرقة الفكرية    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يتفقد فرع المدينة المنورة    محافظ الزلفي يدشّن اسبوع البيئة تحت شعار بيئتنا كنز    توطين 41 مهنة في القطاع السياحي    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لشلل الرعاش"    فوائد اليوغا لمفاصل الركبة    مستشفى خميس مشيط العام يُفعّل "التوعية بشلل الرعاش"    محميات العلا.. ريادة بيئية    مركز الدرعية لفنون المستقبل يفتتح معرضه الثاني "مَكْنَنَة"    إرث «الليث» بريشة الفليت    ولادة مها عربي في القصيم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    "تمكين الأوقاف" تحتفي بتخريج دفعة الزمالة المهنية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفيري المملكة في الأوروغواي الشرقية وموزمبيق    الهلال الأحمر: فتح التطوع لموسم الحج    في الشباك    العميد يقترب من الذهب    ساعة الصفاة    رئيس الشورى يعقد جلسة مباحثات مع رئيس الجمعية الوطنية الباكستانية    حرس الحدود ينقذ مواطنًا من الغرق بالمدينة    الهلال يتعثر بالتعادل أمام الشباب    الحريد من المحيط إلى الحصيص يُشعل شواطئ فرسان    وزير الطاقة يستقبل السكرتير التنفيذي لدولة رئيس الوزراء الهندي    سما بنت فيصل تشكر القيادة لتبني ودعم مبادرة رسل السلام ب 50 مليون دولار    زيارة رئيس قطاع بلديات منطقة الرياض لمحافظة السليل    رؤية جديدة لمؤسسة الإنتاج والبرامج المشتركة    أمير الرياض يضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية في جامعة الفيصل بتكلفة تتجاوز 500 مليون ريال    التفاخر بالتبذير وتصوير الولائم    وزير الرياضة يحضر سباق جائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا 1 للعام 2025 في جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة جمعة عن انهيار الرأسمالية الليبرالية
نشر في عاجل يوم 22 - 07 - 2013


انهيار الرأسمالية الليبرالية
الحمد لله، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3]، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...............أمّا بعد:
فإنَّ الوصية المبذولةَ لي ولكم عبادَ الله هي تقوَى الله سبحانَه ومراقبتُه في السّرِّ والعلن، فاتقوا الله عباد الله، وأتبِعوا السيئةَ الحسنة تمحُها، وخالقوا الناس بخلق حسن، إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ [يوسف:90].
أيها الناس، المالُ في هذه الدّنيا شريانُ الحياةِ التنمويّة المادّيّ، كما أنَّ الشرعَ والدين شريانُ الحياة الروحيّ والمعنويّ. وللمال في نفسِ الإنسان حظوةٌ وشرَه وتطَلُّب حثيثٌ، إذا لم يُحكَم بميزان الشّرع والقناعةِ والرّضا فإنه سيصِل بصاحبه إلى درجةِ السّعار المسمومِ والجشَع المقيت. ولا جرَم عباد الله، فإنّ حبَّ ابنِ آدمَ للمال ليسرِي في جسدِه سَرَيان الدّم في العروق، كيف لا والله جلّ وعلا يقول عن ابن آدم: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8] أي: المال، ويقول سبحانه عن جماعةِ بني آدم: وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20].
أيّها المسلمون، إنّ الشريعة الإسلاميةَ الغراء جاءَت حاضّة على عمارة الأرض وتنميِتها اقتصاديًّا بما يكون عونًا على أداءِ حقّ الله فيها، فلقد قال رسول الله : ((إذا قامَت الساعة وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرِسها فليغرسها، فله بذلك أَجر)) رواه البخاري.
ومن هنا فقدْ حرِصَ الإسلام أشَدّ الحرص على توفيرِ ضمانات أو رَكائز لتحقيقِ هذه التنميَة الاقتصادية واستمرارها، ولعل من أبرزِها تحقيق الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المستقلَّة لدى المجتمع المسلم؛ ليكون قائدًا لا منقادًا، ومَتبوعًا مِنْ قِبَلِ غيرِه لا تابعًا.
2
والاستقلالُ الاقتصاديّ يعني بداهةً نفيَ التبعيةِ الاقتصاديّة للأجنبي وسيطرةَ المجتمع المسلِم على مقدَّراتِ بِلاده الاقتصاديّة دون تدخُّلٍ أجنبيّ؛ لأن فقدانَ السيطرة الاقتصادية فقدانٌ لما عداه من السيطرة السياسيةِ والعسكرية والاجتماعية والثقافيةِ؛ ولذا فإنّ التنميةَ الاقتصادية لدى المجتمع المسلم لا يمكِن أن تتمّ دونَ الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المحلّيّة.
وإنَّ كثيرًا من الدراسات الحديثة لتؤكِّد وجودَ علاقة عكسية بين الفساد الاقتصادي وبين النمو. ومن هنا فإنّ الأمة الإسلاميّة لو أخذَت بالمعنى الحقيقيّ للاقتصادِ الإسلاميّ لما حادَتْ عن الجادّة، ولما عاشَت فوضَى التخبّط واللهث وراءَ المغريَات المالية من خلالِ التهافُت على ما يسمَّى بسوق البورصَة والمرابحات الدوليّة التي لم تُحْكَمْ بالأُطُر الشرعية، وفوضَى التخبّط أيضًا في سوء الموازنة وعدم إحكامِ القروض المالية في الحاجيات والكماليات؛ مما يسبِّب تراكمَ الديون على مجتمَعاتٍ لا تطيق حملها، ولذا فإنّ التنميّة الاقتصادية الإسلاميةَ لا تعترِف بتنمية الإنتاجِ الاقتصاديّ في معزِل عن حُسن توزيعه، كما أنّ جهودَ وأهداف الاقتصاد الإسلاميّ يجب أن تكونَ مصاغة بعنايةٍ فائقة للقضاءِ قدرَ الطاقة على فاقةِ الفرد المسلم وبطَالَته وأمِّيّته ومعاناتِه السّكنيّة والصّحّية والتعليمية.
أيُّها المسلمون: هذه الأيام تعيش الأسواق الماليَّة الغربية والشرقيَّة حالةَ هلع وخوف، إثر حوادث الانهيار والإفلاس، التي تعرَّضَت لها عددٌ من الشَّركات والبنوك الغربية، وهي درس عَمَلي لمنِ انْبهر بالحضارة الغربيَّة، وكان يطالب بأنْ تحذوَ شركاتُنا وبنوكُنا وأسواقُنا حذوَهم، وها هي الرَّأسماليَّة الغربيَّة تترنَّح في أسواقهم، مُعرِّضة اقتصادَهم لأكبر أزمة مالية نشهدها في هذا العصر، وربَّما تلطخ بأوحال هذه الأزمة كلُّ الشَّركات والبنوك المساهمة في تلك الأسواق، في طول العالم وعرضه.
أيُّها المسلمون: وللاستفادة مِمَّا وقع وأَخْذِ العبرة والموعظة؛ يجب ان نقول: أنه لما جرَّبَت بعضُ الدُّول النظام المالي الشيوعي، فثبت فَشَلُه، وسَقَطت الدول التي كانت تتَبَنَّى الفكر الشيوعي، وانقسمت بَعضُها إلى دويلات، واليوم ثَبَت فَشَل النظام الرأسمالي الذي تبنَّته مَجموعة من الدُّول الغربية، وها هو اليوم يترنَّح على سمع العالم وبصره، ويعرّض اقتصاد أكبر دَولة لحافة الإنهيار، ولا زالت مُحاولاتهم قائمة لانتشاله من حافة التدهور.
3
وأيُّ اقتصاد - يا عباد الله - يتعرَّض لمثل هذه الهزَّة العنيفة، ويكون سببًا في تشريد آلاف الموظَّفين من أعمالهم، وسببًا في إفلاس شَركات وبنوكٍ كُبرى، إنَّ أيَّ اقتصاد من هذا النَّوع لَهُو اقتصاد فاشلٌ مهما استَمَرَّ لمدة من الزمن.
وإنَّها ليست مُفاجِئةً لنا - نحن المسلمين - أنْ يترنَّح اقتصادٌ يقوم على مبدأ الحرِّية المطلقة، ويتغذَّى على الرِّبا، ويستندُ على السندات والديون، ويبيع ويشتري بالهامش والبيع على المكشوف والقيمة الدفترية، ويُقامِر حتَّى الثُّمالة، ولكنَّها مُفاجِئةٌ للعالم المتحضر الذي لا يؤمن إلاَّ بالقِيَم الرَّأسماليَّة، ولا يمتثل إلا لأفكارها، ولا يحترم إلاَّ أبجدياتها وأدبياتها، كما أنَّها مُفاجِئةٌ وإحراجٌ لكلِّ من نحا نحوهم، أو دار في فَلَكهم، أو سبَّح بحمدهم؛ ولهذا أخذ هؤلاء المسبِّحون بحمدهم يعتذرون عن الهزَّة، التي تعرض لها النظام الرَّأسمالي الذي تتزعمه دول الغرب، بأنَّها ليست بسبب النِّظام الرأسمالي الذي يؤمن بالحرِّية المطلقة، وإنَّما بسبب بعض الممارسات الخاطئة بالسوق، في الوقت الذي تنشر فيه بعضُ صحف الدول الغربية انتقادًا لاذعًا للرأسمالية.
أمَّا المسلمون: أيُّها المسلمون:
فَقَد تعلَّموا مُنذ أكثر من أربعةَ عشَرَ قرنًا أنَّه لا تُوجد في السُّوق حرية مطلقة، وأنَّ الرِّبا كبيرة من الكبائر، وأنه لا يَجرُّ إلاَّ الدَّمار وخراب الدِّيار ولهيب الويلات، ومَحق المال والبركات؛ {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، بل تعلم ذلك قبلهم اليهود والنصارى في كُتبهم المنَزَّلة من السماء؛ كما أشار إليه الخالق - سبحانه - في قوله: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 161]، كما حرَّم علماؤنا المعاصرون الكثير من صُور بيع الديون المستجدة، وبيع الهامش، والبيع على المكشوف والتأمين التجاري، وصدرت بذلك القرارات المجمعية والفتاوى الفقهيَّة مُنذ سنوات.
وحيثُ إنَّ أسواقهم لا تدين إلاَّ بالرأسماليَّة، ولا تؤمن إلاَّ بالنظم التي تقنن تحصيلَ المال؛ فقد تنكب هذا الخلق الضعيف طريق الحق، وخالفوا تعاليم الخالق؛ {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وتفنَّنوا في تشريع قوانين أرضية تناهض قوانين السماء، فأصدروا قانونًا يبيح الربا، ويقنِّن الحصول
4
عليه، وأسَّسوا مبادئ رأسمالية تحترم رأس المال، ولا تحترم الآدمي ذاته؛ ولهذا جوَّزوا للشركات الزِّراعيَّة مثلاً أن يُتلفوا محاصيلهم، وأن يلقوها في المزابل، ويدفنوها تحت التراب؛ ليحافظوا على حركة العرض والطَّلَب ولو تضَرَّر الفقراء جوعًا، بل وضعوا تشريعات تنحني للغَنِيِّ على حساب المسكين وذي العيلة، وتسبِّحُ بحمد رجل الأعمال ولو وُضع الفقير بسببها تحت الأشغال الشاقة!!
ولأنَّ هذه المبادئ والمُثل الرَّأسمالية من وضع البشر، وليست من وضع خالق البشر، فقد تراجع دُعاتها وحُماتها اليوم عمَّا كان له صفة القداسة بالأمس؛ حيث رفعوا مُنذ سنوات عدَّةٍ ، شعارَ حرية السُّوق، وها هم اليوم يمرغون هذه الحرية بالطين؛ لإنقاذ أسواقهم المالية وشركاتهم الرأسمالية، التي تترنَّح تحت وقع الإفلاس، ولو رجعنا إلى الوراء أربعةَ عَشَرَ قرنًا؛ لوجدنا أنَّ الإسلام قد قيَّد الحرِّية التي لا ترعى بالاً للفقير والمسكين، أو تلك التي تحترم الفرد على حساب الكلِّ، فحرَّم الرِّبا، ومنع من الإقراض بالفائدة؛ لِمَا يؤدِّيان إليه من أثر سلبي وخطير على ذوي الدخل المحدود، وعلى الاقتصاد العام ككل، كما حرَّم العقود المشتملة على الغَرَر أو القِمار، أو ما فيه جهالة، وأباح البيع المعلوم في المباحات، وكذا ما كان بمعنى البيع من الشركات وأنواع الإجارات؛ ليتحقَّق العدل والمُساواة بين أفراد المجتمع، في تدوير المال فيما بينهم وعدم احتكاره لدى طائفة بعيْنها دون البقيَّة؛ كما قال الحق - سبحانه -: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]، وسمح بالدَّين ولكن في حُدود الحاجة، وبضوابطَ شرعيَّة تمنع من وقوع أزَمَات، أو حُدُوث انهيارات تَضُرُّ بأصحاب الأموال، أو تلحق الضرر بالاقتصاد العام، وها نحن نرى اليَوْم أزمة الائتمان والرهن المفتوح في الغرب، وما خلَّفته من ضحايا في طول العالم وعرضه،
ولهذا نجد الشَّارع الحكيم قد وَضَع للدَّين ضوابط كثيرة، تكبحُ جماحه، وتسمح بالاستفادة منه بالقدر الذي لا يضرُّ بالفرد والمجتمع؛ ولهذا نجد نصوصًا شرعيَّة كثيرة تلمح إلى خَطَر الدَّيْن؛ كما في استعاذته - صلى الله عليه وسلم - من المَغْرَم وهو الدَّين، ومن ضَلْع الدَّين، أي: ثِقَله؛ كما في حديث البخاري: كان النَّبِي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((اللهم إنِّي أعوذُ بك من الهَمِّ والحزن، والعَجز والكَسَل، والجبن والبخل، وضَلْع الدَّين وغلبة الرجال))؛ وفي صحيح البخاري أيضًا، عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه كان يدعو في الصلاة، ويقول: ((اللَّهم إنِّي أعوذُ بك من المأثم والمغرم))،
5
ولقد نظَّم الإسلامُ الحياة الاقتصادية بقانونٍ من الخالق - جلَّ وعلا - وذلك لينعمَ الخلْق بحياةٍ اقتصاديَّة آمنة، تحترم الغَنِيَّ والفقير، وتُراعي المصلحة العامَّة والخاصَّة، وتحفظُ للنَّاس حقوقهم؛ ولهذا أجازت البيع، وحرَّمَتِ الرِّبا والغرر والتغرير والقِمار، وأذَنَت في التجارة، ومَنَعت الاحتكار، وحرمت بَيْع البائع ما لا يَملك، أو ما ليس في حَوْزته، ومن ربح ما لا يضمن؛ ليقتسم الجميعُ الرِّبح والخسارة، ولو أخذت النُّظم الحديثة بهذا القانون الإلهي العادل، لم تَحْتَجْ إلى تجربة شُيوعيَّة ولا رأسمالية، يثْبُت فشلُها مع مرور الأيام، وتتعَرَّض الأسواق بسببها للانهيار، والشركات للإفلاس والتقبيل، ولكن كما قيل: ليس بعد الكفر ذنب.
ولكنَّ الذَّنبَ علينا نحن المسلمين، إنْ سِرْنا في رِكابِهم، وتركنا تعاليمَ ديننا الإسلامي التي جاءتْنا من لَدُن الرب الحكيم العليم - جل في علاه *
اللَّهم الْطُف بأحوال المسلمين في كلِّ مكان، اللَّهم أخرجهم من هذه المحنة سالمين غانمين تائبين مُنيبن، اللَّهم إنَّا نعوذ بك من الفِتَن ما ظهر منها وما بَطَن، اللَّهم ادفع عنَّا وعن المسلمين الغلاء والوباء والكساد والدَّمار، وارْحمنا برحمتك التي وسعت كلَّ شيء، يا ذا الجلال والإكرام،
- أقول قولي هذاواستغفر الله لي ولكم .
.الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى..أما بعد :عباد الله :
* إن ما حصل فيه دروسٌ كبيرة ومواعظُ لأولي الألباب منها:
ظهورُ سُنَّة الله - تعالى - في المتعاملين بالرِّبا، وصَدَقَ الله العظيم حين قال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]، إي والله، إنَّه لَحَقٌّ وأيُّ حق؟ حقٌّ حسي وحقٌّ معنوي؛
كيف لا تمحق ألأموال الربوية وهم يحاربون الجبار - جل جلاله - ألم يقل الخالق الرازق - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279]، وهل يستطيعُ أحدٌ أن يحارب الله؟ وماذا ستكون عاقبته في حَربه؟ عياذًا بالله؛ ما أعظم حِلْمَ الله على خلقه ! وما أشدَّ نقمتَه وعذابَه!... فهل يتوب إلى الله من يتعامل بالرِّبا أو يعمل في البنوك الرِّبويَّة؟ هل من توبة صادقة؟ هل تتوب الدُّول التي تقوم اقتصاديَّاتُها على الرِّبا والغَرَر والقِمار والحرِّية المطلقة الظالمة وترجع عن ذلك، وتستفيدُ مِما حصل، وتتَّعظ قبل أن ينالَها ما نال أكبر اقتصادٍ في العالم؟ وسُننُ الله لا تُحابي أحدًا ولا تستثني آخرين؛ فهلْ من مدَّكر؟ وهل من مُتَّعظ؟
وليعلم العالم كله أنَّ الرحمة في المنهج الإسلاميِّ الفريد المنزل من لَدُن لطيفٍ خبير؛ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة:65، 66]؛ فبالإيمان بالله وبما شرع، وتحقيقِ تقواه، واتِّباعِ شريعته - تَتَحصَّل الخيرات، وتعمُّ البركات وتتنزل الرحمات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: 16، 17].
اللهم صل عل محمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.