بالتأكيد أن من زار بلاد الحريات قد تصيبه صدمات ثقافية أو نفسية عجيبة والمبتعثون من بين أولئك المصدومين بها خصوصا المفكرون منهم. في بريطانيا مثلا يوجد مايسمى بالهايد بارك كما أظن وقد سمعت عنه العجب العجاب فذلك المكان فيه حرية رأي أعجب من العجب بل تتعدى أن تكون حرية رأي إلى أن تكون أشبه بمن يكلم نفسه ولايجد مايخاف منه، طبعا فلا أنصح به لمن لم يتعود تلك الحريات لأنه قد يفضح نفسه بأن يطبل فلايجد من يصفق له لأنه ظن التطبيل مستحسنا فخاب ومااستمر في الحديث وعلى الجانب الآخر قد يأتي أحدهم فيفضفض لساعات وساعات لأنه لأول مرة يدرك أنه \"حُر\"!! لكنه قد لايدري أنه ليس كما توقع فقد يكون الهايد بارك فيه من ،،،،، فيه!! هنا لاأدعوا إلى الجموح في حرية الرأي بما يفسد الرأي لأن لدينا خصوصيات في ديننا تمنعنا من الغيبة المطلقة والكلام بما لايليق في حين أن هؤلاء تعلموا حرية الرأي من الإسلام أو قد تكون فطرهم هي التي قادتهم إلى تلك الحرية. لدينا مشكلة تجعلنا نفكر في الكثير من حولنا فمثلا إذا دخلت على مدير دائرة ما وأردت إنهاء معاملة وهي حق لك وعمله هو فماهو إلا خادم في تلك الدائرة، فإنك وبكل أسف كثيرا ماقد تحصل عليها بواسطة الإنذلال ولو غير المقصود لأنه أصبح ثقافة لدينا. فما أن يوقع طويل العمر أو قصيره على الورقة إلا وترقص فرحا وتكاد الأرض لاتحملك بعد أن كتبت مقدمة طويلة فيها من الاستجداء الكثير لأنك إن لم تفعل ذلك فقد لاينظر إلى ورقتك!! أما إن أراد أن يفسد عليك معاملتك فإنه قد يبحث عن عذر واه أو قد يصرخ في وجهك وأنت في حال خوف وارتعاد فتأتيك الأمثال المخذلة \" إذا كان لك حاجة عند... قول له ياسيدي\"!! وطبعا ماضرنا إلا الأمثال المخذلة. لكن بمجرد أن تتجه إلى أي بلد من البلدان المتقدمة علينا بكل أسف فإنك لن تحتاج لأكثر من سطرين أو ثلاثة وربما برسالة بالبريد الالكتروني ثم يقوم ذلك المدير وقد يعلو مركزه أو يدنو لكنه يقوم من مكتبه وكأنه عامل فيأتيك بالرد وقد يتأخر عنك دقيقتين فيأتيك معتذرا منك!! طبعا قد لايصدق البعض ذلك لكنها والله حالهم. وصلوا إلى مرتبة من الأخلاق لا أظن أننا في الأوضاع الحالية خصوصا مع الإعلام الذليل سنصل إليها، فهذه لاعلاقة لها بحقوق المرأة ولا بالتهكم بالدين كما يرى أصحاب الحريات المزعومة وخابوا وخسروا ثم خابوا وخسروا فقدرهم لايعلو ذبابة أو كيس قمامة أكرمكم الله. إن الحريات التي ننشدها ليست بمقدار الحريات الراقية التي في تلك البلاد أبدا فنحن نحتاج إلى إزالة الهوان والذل الذي اعتدنا عليه في إداراتنا ومن مسؤولين قد تجدهم أسوأ مما تتخيل وقد يظهر للقارئ عنهم التواضع ولكنك ماأن تدخل مكاتبهم إلا ويتقاذفونك بالكبر والمنة التي أصبحت سمة تحاول تغطية نقصهم. كزائر لأول مرة فإنك قد تشاهد صورة الرئيس ويطلب منه أن يخرج جيشه من العراق- أعاد الله عزها -مثلا، نعم لقد رأيت مثل هذه المشاهد وقرأت الإعلانات عنها فالحرية عندهم مكفولة. مانريده حقيقة لإيقاف الفساد والظلم والجور هو مقدار من الحرية ليس كتلك الحريات بل على الأقل بدون إذلال للمواطن المسكين حتى يصل بنا الحال إلى مستوى أعلى من الحريات بعيدا عن التزلف والتطبيل والإهانة التي لاداعي لها والتي تناقض كرامة الإنسان الذي بات لدى سواد منه أنها أمر عادي فمتى أصبحت الإهانة كرامة ومتى أصبح الحر ابن الحر من نسل الأحرار عبدا؟ بكل أسف فإن البعض قد لايستوعب الموقف والمقصد من الكلام وقد ترى البعض يناقض الفطرة السليمة برده ويحاول \"أسلمة الذل\" متناسيا ذلك الذي قال لمحمد صلى الله عليه وسلم \"اعدل\"!! ،وتلك المرأة التي قالت لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه لما خدمها وحمل الكيس على ظهره وطبخ لها ولأبناءها،\"أنت خير من عمر\" أو نحوها فلم يغضب ولم يقل إلا خيرا وأكرمها ثم لو نظرنا إلى أبي بكر رضي الله عنه لما رآه ابن الخطاب يخدم امرأة عجوزا وهي لاتعرف من هو أبو بكر، فقال: \"لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر\" فهل سيصل حال مسؤولينا إلى حال أبي بكر رضي الله عنه!! ، والقصص كثيرة عن العدل وحرية الرأي. إن على الناس أن يدركوا معنى الحرية من منطلق الشريعة الإسلامية لا من منطلق أن يجوروا على الغير ويتعدوا على حريات الغير فالحرية في الإسلام أسمى من حرية تلك البلاد لأن الإسلام جعل الحرية محصورة في نطاق لايتعدى فيه البعض على الغير إلا في حدود سمح فيها حتى بحالات من الغيبة!! ماأجمل الإسلام لو عدنا إليه وماأروع تطبيقه في زمن استغل ضعاف النفوس فيه المساكين فأهانوهم ظلما وعدوانا ولم يجعلوا منهم كما يريد الإسلام لهم أن يكونوا. نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يخذل الشرك والمشركين وأعداء الدين وأن يجعل بلادنا بلاد أمن وأمان وخير وبركات وأن يحفظها من أعداء الإسلام إنه سميع مجيب والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين