روى الإمام ابن الجوزي حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه ؛ إذ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!! لا أعلم _ وأنا أقرأ تلك الحادثة _ كيف تبادر إلى ذهني بسرعةٍ تفوق الوصف ذلك العنوان الذي وسمه مدلِّس صحيفة ( إيلاف الإلكترونية ) بقوله : \" اللحيدان يستقبل الذكرى السابعة لأحداث سبتمبر بفتوى قتل جديدة \"، ولكن من يدرك سلفاً أن من حُرِم الأصول حُرِم من الوصول فقد أزاح عن عقله غشاوة الاستغراب . توالت ردود الأفعال من المتردية والنطيحة سواء أكانوا أفراداً من إعلاما ، وكأنما دُبِّرت هذه الردود بليل ! و مازال شيخنا الضئيل صامداً كالجبل الأشم ، لا لشيء إلا أنه لا يرضى بظلم أهل الذمة فضلاً عن أهل الملة ، ودليل ذلك ما ورد في الحوار الذي أجراه معه ( سليمان العيدي ) من الدعاء لهؤلاء بالهداية والعودة إلى جادة الصواب . إن الحليم ليحتار مما يسمعه ويقرأه من كتابات تجاه من رزقهم الله نور البصيرة ، وصفاء السريرة ، من أناسٍ يصدق عليهم قول أحد العباد عندما سئل عن شر الناس فأجاب بقوله : من لا يُبالي أن يراه الناسُ مسيئاً ! فعلاً .. هؤلاء لا يبالون بما يقولون أو يكتبون ولعل السبب في هذه الردود والمقالات والبرامج التي أفردت لها بعض القنوات الفضائحية مساحات واسعة بعد فتوى شيخنا يكمن في كساد بضاعة أصحابها الأمر الذي حملهم ما هم ليسوا بأهل له ! من يرقب ردود هؤلاء ( كتاب ، مفكرون أو مخرفون ، ممثلون ومخرجون وهذا من المضحك ... إلخ الشرذمة ) يرى أنها عبارة عن مقالات إنشائية مضطربة ، اعتمدت على ابتسار فتوى فضيلة الشيخ ، ولم تحسن الاستتار للأسف ! متعامين أن شيخنا _ حفظه المولى _ لا يبحث عن مجد شخصي ، أو انتصار آني ، فقد كفاه خير الورى بتركته وورثِه ، وما يحدث ليس بجديد على فضيلة الشيخ ، ولا على غيره من أمثاله عِلماً وعُمْرا ، الذين تكسرت تحت سفوحهم أجيال من صناديد الفكر وأساطين المنطق فضلاً عن من تلقفوا رايتهم البالية بآراء فجة ، ورؤى ناقصة ، وبالتالي فأيسر مايمر بهؤلاء العلماء ( الوحول ) . شيخنا _ بحمد الله تعالى ومنته _ لم تزده هذه الترهات إلا رسوخاً وثباتا ، وفضاؤه قادر على ابتلاع أي سابح فيه . يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَه أَشفق على الرأسِ لا تُشْفِق على الجبلِ إن ما حفزني على المشاركة حول هذه الردود هو أن أصحابها باتوا يشكلون ظاهرة مريبة ، وبالتالي فإن نقض ردودهم أنكاثاً من كل من آتاه الله علماً يكشف عن كتاب خاضوا في ( كل ) المجالات الدينية والدنيوية رغم افتقارهم إلى العلم الشرعي، والتأصيل المعرفي، ومنهج البحث العلمي ، ولعل مرجع ذلك كساد بضاعتهم كما ذكرت مما أوقعهم في حيص بيص ! وبالتالي فقد ( كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) وتناسوا أن الناس محاسبون على كلامهم ، وبالتالي يجب عليهم ألا يقولوا إلا حسنا ،فقد عُرف بداهةً أن من تكلم بغير فنه أتى بالعجائب . إن العجب كل العجب يكمن في تجرؤ بعض الكتاب على التطاول بحق علمائنا والخوض في فتاواهم والانتقاص منها ومنهم . يقولون هذا عندنا غير جائزٌ ومن أنتم حتى يقال لكم عند؟ كم والله نتمنى إن كان لهؤلاء بقية من عقل وعلم أن ينفقوه في سبيل الدفاع عن حوزة الدين المنتهكة، لا أن يشدوا عضد أعداء دينهم وأمتهم الذين لا يشفي صدورهم إلا التقليل من شأن الإسلام وأهله ، فحماة الثغور ليسوا ممن يخدعهم الخب، بحيث لا يأخذون حذرهم، حيث يتواصى الفارغون بأخذ الإسلام من أطرافه والنيْل من مفرداته ، فكل الذين دخلوا جحور الحضارة الغربية قبل التحصن نسلوا منها، وليس في غيابهم إلا الحشف وسوء الكيل، والذين يخوضون في الفتيا وهم ليسوا من أهلها، أو يجادلون في قضايا الدين، وليسوا من أهل الذكر ، يكونون مثار سخرية، ولن يظفر بالاحترام من هؤلاء إلا من هو على جانب من العلم والوعي والسيطرة التامة على قضاياه وإن اختُلِف معه ، ومثله من عرف قدر نفسه فلم يخض في القضايا الكبرى حتى يستكمل المعلومة، ويجود المنهج، ويتقن الآلة ، والخبيرون بالمعارف والمذاهب يعرفون الأدعياء بسيماهم، وما ارتبكت مسيرة الأمة إلا حين انبرى للقضايا الكبيرة من لا يحسن الورود ولا الصدور ؛ كهؤلاء الشانئين الذين قد حرموا _ للأسف _ من الدعاء المأثور (رحم الله امرأً كف الغيبة عن نفسه) فهم كالفراش يبحثون عن الأضواء، لكنهم يحترقون قبل الدخول في دوائرها، ولا يضرون الحقائق شيئاً، والعداء مع هؤلاء وأعوانهم ماض إلى يوم القيامة، وكل من (سَفِهَ نَفْسَهُ) وتقحم سوح ما يجهل فقد أثار الشفقة والسخرية ، فلا يستقيم ظل والعود أعوج . أعان الله شيخنا الفاضل على ثلة المتذيلين ، وسدد رأيه عندما يحاول أن يضعهم أمام أنفسهم عسى أن يرعووا، ويستعملوا ما وهبهم الله في طاعته . هدى الله الجميع وردهم إلى الحق رداً جميلا. الرسالة