الكثير ممن يقرأ هذه الأسطر قد سافر خارج الوطن إلى أرض الله الواسعة سواءً للدول العربية أو الدول الأجنبية على تنوع مشاربها، ومن هنا فإن كل دولة تطأ أرضها قدماك سوى الوطن الغالي المملكة العربية السعودية ، ستجد النظام والانسيابية في كل شيء بدأً من النزول من سلم الطائرة وحتى تصل إلى مقر السكن الذي قمت باختياره لنفسك ، ولنأخذ نماذج من ذلك ، حيث (هناك ) الدخول إلى أرض المطار بهدوء وسلاسة وشكل انسيابي جميل ، بينما (هنا) قمة الفوضى تجد الواحد منا يلتفت يميناً وشمالاً ليبحث عن مرافقه في الرحلة خشية أن يكون بقي في الطائرة ثم يرمي المنديل الذي في يده في أي مكان ، بل ربما يعمد إلى قطف وردة من الورود الجميلة على جانبي الطريق إلى الصالة ، وقد يعمد إلى العودة إلى الطائرة للبحث عن شيء فقده أو يأخذ أكبر كمية من الصحف ، ثم بعد خروجه من الصالة وعند البحث عن سيارة (هناك) ، يتجه إلى المكتب الخاص ويقطع تذكرة ويذهب إلى السيارة التي تم اختيارها بكل أدب واحترام بينما (هنا) يخرج إلى خارج المطار ليبحث عن سيارة خاصة مخالفة للأنظمة ويستقلها ليستفيد مادياً حيث يدفع قيمة أقل ، كما أنها توصله إلى ما يريد مهما كان حتى لو في قمة جبل أو في الصحراء ثم ( هناك) أثناء سيره في السيارة يربط الحزام بكل أدب ويعطي صاحب السيارة العنوان الذي سوف يتجه إليه ويقرأ إما في كتاب اشتراه عن البلد ، ليعرف عنه الكثير أو صحيفة اشتراها بنفسه ، بينما ( هنا ) يركب السيارة كيفما اتفق ثم يبادر سائق السيارة بمحضر تحقيق ، من أنت ؟ ومن أين أتيت ؟ وهل أنت متزوج أو أعزب ؟ وإن قال مطلِّق قال له : لماذا طلَّقت ؟ وهذه السيارة لمن ؟ وكيف اشتريتها نقداً أو بالتقسيط ؟ وكم تحصّل في اليوم ؟ وأين تذهب إذا انتهى عملك ؟ وهل منزلك ملك أو إيجار ؟ وكم لديك من الأولاد ؟ طبعاً لاننسى أنه لم يربط الحزام ، أما أسلوب سير السيارة (هناك )فيكون ملتزماً بأنظمة السير والسرعة وأنظمة الإشارات الضوئية والتوقف والتحرك ، بينما هنا يسير بسرعة عالية أو يسير بهدوء ، بل ربما مذياع السيارة يصدح بأعلى صوته، ويستعمل المنبه بسبب أو بدون سبب ، ويتوقف بدون أي إشعار وربما في منتصف الطريق ، أما مقر السكن (هناك) فقد رتّب أموره بالهاتف بل وسدد القيمة وأخذ رقم الشارع والغرفة وكل ما يتعلق بها ، أما (هنا ) فيزعج صاحب السيارة بالبحث له عن سكن بل ويجبره على التوقف عشرات المرات ليدخل في بهو الفندق أو الشقة ويسأل هل فيه سكن ؟ وإذا وجد سأل هل يغلق مبكراً ؟ وهل لديكم سخان؟ وهل لديكم لاقط؟ وكم يظهر فيه من قناة ؟ أما إذا استلم السكن ( هناك ) فيلتزم بمواعيد الدخول والخروج والنوم وعدد الأشخاص المصرح لهم وعدد الأسّرة ووضعيتها، أما (هنا ) فيأتي متى ما شاء ويخرج متى ما شاء بل ويرافقه مجموعة من شلته إلى حد أن يبلغ به الكرم أن يعرض عليهم النوم معه في سكنه ، فإذا كان السكن أو الأسّرة غير كافية قلب السكن رأساً على عقب سواءً بجمع الأسرة على بعض أو يقوم بركنها في زاوية ليتسع المكان لهؤلاء الغرباء ، بل أحياناً لا يُسمع في المكان سوى أصواتهم ، أما ( هناك ) فإذا خرج سار بكل أدب سواءً في المنتزهات أو المطاعم وغيرها ويجلس في الأمكنة المخصصة ، أما (هنا) فيثير الفوضى في المطعم وكأنه لا يوجد سواه بل ربما يتناول أكله على قارعة الطريق أمام المارة وإذا انتهى تركه في مكانه ، وهكذا إلى آخر المسلسل الذي لا ينتهي وهذا فيما يخص السلوك الشخصي والذي يتصف به أبناء الوطن فقط . أما فيما يخص عدم الالتزام بالأنظمة فحدث ولا حرج سواءً في قطع الإشارة الضوئية وهي حمراء، أو السرعة الزائدة ، أو الوقوف في محلات غير مخصصة لذلك ، أو تحميل ركاب في صندوق سيارة ، أو رمي العلب والمناديل والسجائر من نافذة السيارة ، أو رفض من يستحق القبول سواءً في دراسة أو وظيفة وقبول من لا يستحق ذلك ، بالإضافة إلى تفاوت بعض الإدارات في بعض المناطق في استخراج وتجديد الرخص والاستمارات والإقامات والجوازات والفحص الدوري ، وكذلك الغش والتدليس والنجش وغيرها من الأشياء التي بموجبها يتم اختراق الأنظمة المقننة والمعمول بها حسب اللوائح الصادرة ، سواءً ما كان للإنسان نفسه أو لسيارته أو لمنزله أو لبضاعته . والغريب في الأمر أن من يعيش في بلدنا ومن أي جنسية كانت عربية أو غير عربية يكون في بلده قمة في الأدب والخلق والاحترام والإلتزام بالأنظمة ، كما أن السعودي في تلك البلدان أيضاً يلتزم بأنظمتها ويكون قمة في الأدب والخلق والاحترام لكنه هنا يتغير بمقدار مائة وثمانون درجة ، ولا يكتفي بذلك بل يتبعه الوافد أو المقيم (هنا ) ويسلك نفس السلوك الذي يقوم به وبنفس الدرجة والجرأة بحجة أن أبناء الوطن يفعلون ذلك ، ومن هنا فإني بعد كل ذلك أسأل سؤالاً واحداً أعتقد أنه من حقي أن أسأله وهو أين يكمن الخلل ؟ و مالسبب في كل ذلك ؟ في الحقيقة هناك إجابات مثالية لا أرى أنها واقعية أو تمت للواقع بصلة ، حيث يقول البعض إننا بلد واسع يضم جميع الأجناس والفئات ، ويقول آخر : نحن موئل المسلمين من كافة بقاع الأرض ومهبط الوحي ولذلك الكل يعتقد أنها موطنه، لكني في الحقيقة أجزم جزماً أكيداً أن الخلل يتمثل في نقطتين مهمتين, إحداهما ( عدم التطبيق الفعلي للأنظمة والحزم فيها) ، والثانية ( المحسوبية والتفريق في تطبيق الأنظمة ) , وبعيد عنا كل البعد قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم ): ( والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) وذلك حينما توالت الشفاعات لإنقاذ المخزومية التي سرقت من إقامة الحد عليها ، ومن هنا قد يعترض معترض ويقول هذا فيما يخصنا نحن لكن ما بال المقيمين ، فأقول بكل ثقة: إننا نحن السبب فيما يقوم به هؤلاء , لأننا نحن قدوتهم ، ولن تطبق الأنظمة عليهم ونحن نضرب بها عرض الحائط ، ويؤكد كلامي ذلك قضيتين مهمتين تختصان في عدم تطبيق الأنظمة ، حيث أنه قبل سنوات أعلنت الإدارة العامة للمرور تطبيق غرامة عدم ربط حزام الأمان وتم وضع نقاط تفتيش لذلك ، فتغيّر وجه البلد بالكامل لكنه لم يدم بسبب التراخي في ذلك ، ومثله قطع الإشارة هذه الأيام الذي يفضي إلى السجن ويتم التنفيذ الفور ي, بل إن أمراء المناطق أكد بعضهم عدم التدخل لإطلاق سراح كل من يقطع إشارة مهما كان موقعه بل وتمت متابعة ذلك ، ومن هنا بدأنا نجني نتائج ذلك ، بينما عدم تطبيق الأنظمة أدى إلى كل ما نجني ثماره السيئة الآن على أيدي الوافدين من تزوير أو سرقات أو جرائم خلقية ، أما المحسوبية فحدث ولا حرج ، ولكن يحضرني تصريح قرأته لأحد مدراء المرور في إحدى المناطق حيث أنه أصر على حجز ابنه وسيارته لقطعه الإشارة , وهنا يؤكد في تصريحه أن الأصل هو إطلاق سراح ابنه كما يفعل بقية مدراء المرور أما هو فقد خالف القاعدة بأن أصر على سجن ابنه وكأنه يبتدع نظاماً جديداً غير موجود ، ومثله لو قيل مدير الشرطة الفلانية يصر على سجن ابنه السارق ، ومدير الجامعة الفلانية يرفض قبول ابنه لأن معدله متدن ، ومدير الخطوط الفلانية يرفض أن يؤكد حجز ابنه قبل الآخرين ، ومدير الجوازات يؤكد على أن يلتزم ابنه بدوره في الحصول على جواز سفره ، ومدير المصرف الفلاني يؤكد على أن لا يتم صرف شيك ابنه إلا بعد أن يصل دوره المحدد ، وكأن هؤلاء أتوا بنظام جديد, في حين أن ما قاموا به هو الأصل والواجب , وما سواه هو المخالف للنظام . أسعد الله أوقاتكم ،، عبدالرحمن بن محمد الفراج [email protected]