سلفية المدينة : حرب الخليج الثانية وذيولها وتداعياتها على الظاهرة الإسلامية في السعودية، تمخضت عن ولادة ما عرف حينها ب(سلفية المدينة) أو\"الجامية\" نسبة إلى الراحل د.محمد أمان الجامي أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة. الظروف والنشأة: كانت ولادة هذا التيار استجابة للتحدي الذي فرضته الشعبية المكتسحة للعودة والحوالي، بدأ هذا التوجه بالتشكل أواخر الثمانينات، وحظي برعاية أجهزة الأمن الحكومية، ولظروف ولادته ومسوغاتها، ومع كون هذا التيار قد استقى أفكار الألباني، فيما يخص الأخذ بالسنة، وتعظيم شأن السلف واقوالهم في مسائل العقيدة، فقد كانت فتاوى وإرشادات وأفكار محمد بن عبدالوهاب، وعلماء الدعوة الوهابية، وهيئة كبار العلماء.تشكل حجر الأساس. سمات: انطبع هذا التوجه بتقليعات غلاة (الألبانيين) و(الوادعيين) وقد ارتكزت أفكاره على دعامتين: أ-الولاء المطلق للحكومة السعودية وولاة أمرها.والسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين عامة، ورؤساء الدول والحكومات العربية والإسلامية،ماداموا معلنين للإسلام مهما ارتكبوا من مخالفات، والبحث لهم عن أعذار وحسن الظن بهم، وتحريم الطعن فيهم، أو اغتيابهم ولو في القلب! ب- تبديع وتضليل جماعة الأخوان المسلمين، بوصفها راس البلاء ومعدن الجماعات الإسلامية المعادية لحكوماتها، وقد غالى بعضهم حد تكفيرالشيخ حسن البنا لمؤاخذات عقدية صدرت منه(صوفيته)، وتضليل رموز الصحوة في السعودية باعتبارهم إخواناً مسلمين. ج- تكفير سيد قطب أبو الجماعات التكفيرية-حسب رؤيتهم- ومؤسس (القطبية). موارده : خرج هذا التوجه من عباءة الألباني، وتغذى من فكره، وكتبه، ومحاضراته، ومن أفكار الشيخ مقبل الوادعي اليماني(ت2000م)، أحد أبرز تلامذة الألباني، وممن كان له علاقة وطيدة بأهل الحديث (جماعة جهيمان العتيبي)، لهذا قوبلت تزكية الألباني للحوالي والعودة، وثناؤه عليهما باستياء بالغ، دفع بعضهم إلى الهجوم عليه. الألباني لاعب رئيس في الفضاء الديني في السعودية. كانت تعاليم الألباني-الذي قام بالتدريس في الجامعة الإسلامية لأربع سنوات حتى تم ترحيله عن السعودية عام 1386ه(1966م)- وإرشاداته في تعظيم السنة والأثر مساهمة بشكل رئيسي في نشوء توجهين متشددين متطرفين يشكل أحدهما نقيض أفكار الآخر، عرفهما الفضاء الديني السعودي، إحداهما تكفيرية والأخرى موالية تبريرية!! 1-حركة جهيمان العتيبي:أهل الحديث الذين احتلوا الحرم عام 1979م 1400ه. ( مطلعون وأعضاء سابقون في الحركة ممن تم إيقافهم بعد أحداث الحرم،يدفعون فكرة كونها حركة تكفيرية، متذرعين بأن الدافع لاحتلال الحرم كان إيمانهم بأن محمد القحطاني هو المهدي المنتظر،وبأن رسائل جهيمان العتيبي لم تكن تحتوي على تكفير للحكم السعودي بل تضليله وتفسيقه). 2-سلفية المدينة الذين كان لهم موقف صارم ومتشدد من فرقائهم الإسلاميين، قابله موقف متسامح وتبريري عن الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية. ( وكان أهل البادية،والمجنسين، والوافدين، والمقيمين، يشكلون الغالبية العظمى للفئتين. كما أن جماعة الدعوة والتبليغ هي المعبر والجسر إلى هاتين الفئتين، حيث كان معظم المعتنقين بأفكارهما ممن تطوعوا على يد جماعة التبيلغ والدعوة التي يشكل أهل البادية أيضاً غالب المؤمنين بأفكارها). جماعة الدعوة والتبليغ : هي حركة ذات منزع صوفي، تعتمد على الأخذ بالسنة في جانبي الأخلاق والسلوك، والعبادة والنسك، وتعنى بالزهد والدعوة إلى الدين بالتي هي أحسن، والبعد عن السياسة ومزالقها، أو الخوض في الخلافات الدينية والعقدية، وتجنب الصدام بالجماعات الإسلامية الأخرى، وقد شكلت على مدى أكثر من ثلاثة عقود الرافد الأساسي والخامة للصحويين، وجماعة جهيمان وسلفية المدينة، ومعبراً وجسراً -لكثير ممن التزموا بالدين من المسلمين أو لمن اسلموا على أيديهم -إلى الحركات الجهادية. تهديد حقيقي شكلته سلفية المدينة ضد خصومها: - سددت (سلفية المدينة) ضربات موجعة لقيادات الصحوة، وشكلت تهديداً حقيقياً عبر المزايدة بالأحقية بالسلف والاتباع لتعاليمهم. ولأنها كانت تستخدم سلاح النص، وأقوال السلف العظام، وتلمز خصومها بالتقليل من أهمية التوحيد وسلامة العقيدة، فقد كانت ردة الفعل لدى فرقائهم من الصحويين تكثيفاً لدروس العقيدة واهتماماً بالحديث والأثر حفظاً وتدريساً. وكانت مسابقة حفظ السنة عام 1992م استجابة لذلك التحدي. انحسار : -افتقاد (سلفية المدينة) للمصداقية، وتقييمها لخصومها عبر مستوى الولاء الذي يدينون به للحكومة والأسرة المالكة؛ كان كفيلاًً بانحسار مدها، مع منتصف التسعينات. (المفارقة أن انحساره لم يكن نتيجة مضادة من خصومهم ولا من قبل السلطة، بل على العكس كانت الساحة خالية تماماً لسنوات أربع من أي منافس لهم). الأسباب: - نزعة الغلو التي اتسم بها هذا التوجه كانت سبباً مباشراً في انحسار مده شعبياً، حيث بلغ الحال إلى تبديع أعلام بارزين من علماء الإسلام المتقدمين، كالإمام أبي حنيفة، والنووي، وابن حجر العسقلاني، والعز بن عبدالسلام، وصولاً إلى ابن باز، والألباني نفسه، وكان ملفتاً أن غالب حاملي هذا الفكر من صغار السن وممن التحقوا حديثاً بالتدين، إضافة إلى افتقاده لقيادات تتمتع بالكارزمية والرصانة. أتباعه ومنظروه: غالب معتنقي أفكار هذا التوجه كانوا من أبناء البادية، والوافدين والمقيمين في السعودية، ومن جازان، وبعض أطراف المنطقة الشمالية، والبدون، والأفارقة المجنسين، وكانت قواعده في الكويت والأردن، واليمن.و بعد وفاة الجامي تزعم هذا التيار د.ربيع بن هادي المدخلي أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية. ومن الأسماء البارزة، د.فالح الحربي، ومعاقلهم في الجامعة الإسلامية، ومن مواقعهم على الإنترنت موقع سحاب. الصحويون: (الصحوة في السعودية مدينة للأخوان المسلمين أفكاراً ووسائل، وأدبيات). الأخوان المسلمون ودورهم الكبير في نشوء ظاهرة الصحوة: هم معظم الرعيل الأول من أساتذة الجامعات، والمعاهد العلمية الوافدين إلى السعودية من مصر والشام ،منذ منتصف الستينات الميلادية، وقد ساهموا في إعداد المقررات الدينية وغيرها للتعليم العام، وتغلغلوا في المؤسسات التعليمية والتربوية، وقاموا بصياغة عقول جيل كامل من الشريحة المتدينة في السعودية. احتواء: تمكنوا بنجاح فائق من احتواء المؤسسة الدينية في السعودية عبرعدد من الخطوات: 1- التركيز على محاسن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكونها حركة تجديدية إصلاحية. وتجنب الاصطدام بعلمائها ورموزها، بل محاولة دفعهم في الواجهة ضد خصومهم، وفي فترة تاريخية مرت فيها السعودية بتحديات وتهديدات إقليمية،من أنظمة شكلت أعداء تاريخيين للأخوان المسلمين . 2-الاهتمام بمؤلفات الشيخين ابن تيمية وابن القيم وإظهار العناية بها. 3- المساهمة أو السعي في فترة تاريخية ماضية في صياغة خطاب ديني رسمي، أكثر تحديثاً وأكثر مواءمة مع المذهب الديني الرسمي، وأكثر تحضراً.(أواخر الستينات والسبعينات الميلادية). 4-إظهار الولاء التام للحكومة السعودية وملوكها، مع قطع العلائق الحزبية مع الجماعة الأم(الأخوان المسلمون)،والولاء للأفكار . ملاحظة: كثير منهم بهتت وشائجهم الحزبية السابقة، بعد منحهم الجنسية السعودية، وتبدلت ولاءاتهم بعد انضوائهم تحت العباءة الرسمية، وكثير منهم كانت لهم جهود بارزة ، في خدمة البلد وقيادته. احتلال الكويت:-قيادات الأخوان المسلمين ، كانت مؤيدة لاحتلال صدام حسين للكويت، أو رافضة(بشكل ملطف) للاحتلال، ولكنها كانت ضد تحرير الكويت بجيوش غربية.وكان موقف الصحويين في السعودية ضمن هذا السياق(ضد الاحتلال، ولكن ضد تواجد القوات)، بخلاف الرسميين منهم وذوي المناصب والوظائف الذين أظهروا تأييداً كاملاً لما اتخذته الحكومة السعودية من خطوات... (يتبع) ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ تعليقات الزوار تركي الشهري أشكرك أستاذ منصور على تحليلك المنطقي , وأنا أعجب ممن لم يعجبهم ما كتبت , مع إني أرى أنك لم تلمز ولم تشتم أحد , إنما نقلت لنا التاريخ كما حدث , ولعلك أكثر خبرة بذلك الواقع , ولكنني أتمنى أن تلبي لي طلبا واحدا , وهو أن تقوم بعد الفراغ من هذه المقالات بوضع نصائح وإرشادات تكون لمن أراد أن يسلك طريق طلب العلم وتبليغه للناس , وتكون هذه الإرشادات كتحذيرات لهم من بعض المزالق . والله يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى بريداوي اختلف مع الكاتب حول ظهور الجامية او ما اطلق عليها السلفية المدنية حيث ان ذلك اللقب لايطابق الحال بل كانت حركة محدودة جاءت بتخطيط ورحلت بعد اداءها المهمة..!! منى المحمد تحليل منطقي لتلك الحقبة الزمنية فاهم مميز في طرحك وتعمقك يا منصور مراد كلام جريء جداً ويدل على أن الكاتب لديه مدونات وعمق في هذا الجانب السؤال لماذا لايتم تخصيص برنامج أسبوعي في التلفزيون لهذا الكاتب يتحدث فيه عن الحركات الاسلامية وغيرها وانتماءاتها وأسباب نشوءها حتى يسنير المشاهد ويكتسب المعرفة المؤصلة صريح هكذا هو الطرح وهكذا هو التعليق والمداخلات بعيدا عن الاراء الاقصائية المتعجلة لي وقفة قصيرة مع ماذكره الكاتب منصور : اليست الحركات الاسلامية تنشأ غالبا وبشكل اساس من خلال النظم الاجتماعية والتعليمية السائدة بعيدا عن التيارات المجاورة وهو ما يتعارض مع ما ذكره الكاتب بأن هناك احتكاكا فكريا بفكر الاخوان؟؟ عبدالله للامانه الموضوع واضح انه كُتِب على عجاله ارجو من الكاتب التحرير بحرفيه اكثر الرياض مقال يستحق التمعن ولاكثر من مرة عبدالله العرفج نفتقر إلىالدراسات الاجتماعية عن المجتمع السعودي ، هذا الرصد يسد ثغرة في المعلومات عن تلك التيارات الفكرية ، ويتضافر مع جهود أخرى مثل مايقوم به خالد المشوح في جريدة الوطن والمرحلة التالية ربطها بالبناء الاجتماعي ككل ، بدلا من ربطها بأشخاص ، حتى نتمكن من الأجابة على أسئلة من قبيل لماذا ظهرت تلك التيارات، وأحمد للكاتب لغته العلمية البعيدة عن اصدار الأحكام وهذا مانحتاجه في هذه المرحلة ؛ اللغة العلمية الهادئة المتزنة البعيدة عن التعصب للرأي والتحيز في زمن يفترض فيه سقوط الايديولوجيا أو موتها خاصة في الدراسات العلمية ،، شكرا لك منصور