إهداء: إلى المسئول البريداوي الكبير الذي غرس خنجره المسموم في ظهري يوم انتخابات المجلس البلدي. (لا أحد) عندما دلف إلى المركز الانتخابي وذلك لأول مرة في حياته اجتاحه شعور عارم بالفرح.. لم يتخيل يوماً أن يمتد به العمر ليقف هذا الموقف الحضاري..كان أشبه بحلم جميل حتى لو كانت الانتخابات ناقصة ..يكفي انها انتخابات ..عدّها خطوة نحو عوالم مجافية للرتابة وقال في نفسه أن أول الغيث قطرة ثم ينهمر ..استلم قائمة الترشيح ، كان عليه أن يختار ستة أسماء من بين مايقارب الثلاثمائة مرشح..ياله من خيار صعب..أنت وحدك الآن خلف الستارة الخضراء وحلمك أصبح حقيقة.. ماعليك إلا أن تصوب سنة قلمك نحو المربعات الصغيرة أمام المرشحين المختارين حتى يكتمل حلمك....أخرج قلمه من جيبه ، أحكم وضع نظارته ، دقق في القائمة وكأنه يبحث عن أسماء معينة ، توقف فجأة ..مرت على وجهه سحابة حزن غطت كل مساحات الفرح الذي كان يسكنه قبل لحظات..يبدو أنه تذكر شيئاً نغص عليه تلك اللحظات التاريخية المجيدة..تذكر الوجوه الكالحة التي سددت الطعنات.. تذكر القلوب السوداء التي غشاها العفن ..تذكر الأيادي القذرة التي تلطخت بدماء الأبرياء ..تذكر أعداء الفرح والطيبة والنقاء في هذه المدينة..أيقن أن لا أحد يستأهل صوته في هذه المدينة..انقلبت مشاعره مائة وثمانين درجة ..هربت كل الصور الجميلة التي سكنت مخيلته، وحل محلها وجوه الذين طعنوه ..سكنه الإحباط..شعر بحزن شديد وضيقة صدر ..أي شيء يطرد هذا الشعور المباغت..خطرت في باله فكرة؛ سحب استمارة الترشيح ببطء وتثاقل وكأنه يحمل كل تلك الأطنان من لحوم وشحوم المرشحين على ظهره..نظر إلى قائمة الأسماء مرة أخرى ولكن ببرود وحزن..لم يتبين منها شيئا.. كانت حروفا غائمة وقاتمة مثل وجوههم.. شعر بخيبة أمل .. أخرج قلمه مرة أخرى ، لم يؤشر أمام أي منهم، وإنما كتب في الفراغ المتاح في الاستمارة.. لا أحد ..ثم وضع الاستمارة في صندوق الاقتراع ومضى.... (انتهت) ---------------------------------------------------------------- ==عبد الله العرفج === كاتب وقاص سعودي