اختلفت آراء الفقهاء حيال مسألة ربوية «مضاعفة المخالفات المرورية» من عدمها، حيث يرى فريق من الفقهاء أنها ربا وفق ما أفتى به مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قبل عامين تقريباً بعدم جواز مضاعفة المخالفات المروية، لأنها تعتبر من الربا المحرم. وسئل عن ذلك حينها مديرعام المرور اللواء سليمان العجلان فوجه السؤال للجهات التشريعية، موضحاً «أنه سيبحث عن طريق مجلس الشورى، أما المرور فيعد إدارة تنفيذية لا تشريعية» . لكن هذا السؤال يتكرر دوماً مع كل حديث يطرح حول المخالفات المرورية ومضاعفتها، خصوصاً أنَّ فريقا من الفقهاء يرى جواز ذلك، ومن هؤلاء المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبدالمحسن العبيكان، الذي رأى أنَّ هذه الفتوى غير مبنية على أي أصل من أصول الشريعة؛ «لأن الربا مبني على المعاوضة والتعامل بين طرفين، أما بالنسبة للمخالفات المرورية فهي عقوبة مالية من قبل ولي الأمر، نتيجة انتهاك القانون أو ارتكاب خطأ معين، وبالتالي لا تعتبر من الناحية الشرعية ربا». وأضاف العبيكان: «هذه من باب العقوبات المالية، التي هي مشروعة في أصح أقوال أهل العلم، وهو رأي جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق مانع الزكاة (وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ)، وغير ذلك من الأدلة». لكن عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي عضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث الدكتور عبدالله المطلق، يرى أن المضاعفة تدخل في دائرة العقوبات التعزيرية، وبالتالي لا تدخل في دائرة الربا. وقال المطلق: «في نظري أنَّ المخالفات المرورية ذات حدين، فمن سدد في الفترة المتاحة يطبق عليه الحد الأدنى، ومن لم يسدد فإن المخالفة تضاعف عليه، وهذا جائز ولا يدخل في الربا». وعلل المطلق رأيه قائلاًَ: «مضاعفة المخالفات تدخل في دائرة العقوبات التعزيرية، فيجوز للقاضي حينها من سلطته تقدير العقوبة، وذلك بوضع حد أعلى في حال عدم سدادها في الوقت المتاح، وذلك لا يكون ربا». ويختلف عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو مجلس الشورى والأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للتمويل الفقيه الدكتور عبدالرحمن الأطرم، مع رأي العبيكان والمطلق، مؤكداً صحة الفتوى التي حرمت مضاعفة المخالفات المرورية، موضحاً أنَّ المضاعفة تعتبر ربا، وأن هذه الرؤية مبنية على أصل فقهي بخلاف الآراء التي نفت ذلك. وفصّل الأطرم الرؤية الفقهية لهذه الفتوى بقوله: «لقد ثبت شرعاً أنَّ المخالفة تعتبر دينا في الذمة، ومن ثم تكون المضاعفة بمرور الزمن زيادة على الدين من أجل مرور الزمن، وهو المبنى الفقهي بالقول إنها ربا، والله أعلم». وطالب الأطرم بالكف عن إعطاء الرأي في هذه المسائل بشكل فردي، مشيراً إلى أنَّ «مثل هذه المسألة لا تهم فرداً واحداً، بل تهم المجتمع في المملكة بأكمله»، داعياً إلى إعادة هذه المسالة إلى اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث المنبثقة من هيئة كبار العلماء؛ لأنها هي الجهة الوحيدة التي تتولى الإفتاء رسميا في المملكة، مشدداً على أنَّ وسائل الإعلام يجب ألا تعتمد على رأي فقهي في هذه المسألة وتركها للاجتهاد الجماعي. ودعا الأطرم العلماء إلى عدم تسفيه الآراء الفقهية للآخرين، في حال إعطائهم رؤية فقهية مخالفة للمسألة ونقل ذلك لوسائل الإعلام، موضحاً أنَّ كل مسألة تحمل أكثر من رأي، «فمن اجتهد وأصاب نال أجرين، وإن أخطأ فقد نال أجراً واحداً». عقوبة بالمال ويتفق أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الفقيه الشيخ الدكتور صالح السدلان مع الرؤية، التي ترى أنَّ مضاعفة المخالفات المرورية لا تدخل ضمن أبواب الربا، مؤيدا بذلك فتوى العبيكان والمطلق، ومختلفا مع المفتي والأطرم. وقال السدلان: «مسألة العقوبة بالمال فيها خلاف بين أهل العلم، وهناك تساؤلات كثيرة هل تجوز العقوبة بالمال، وما أراه أنَّ العقوبة بالمال جائزة لحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مَلِيء فليتبع)، ومعنى ظلمه أي حبس المال عن الدفع فيمكن معاقبته حينها». وبيَّن السدلان أنَّ مضاعفة العقوبة المالية سواء كانت في مخالفات مرورية أو غيرها، لا تدخل ضمن إطار الربا، ولايقاس عليها حكم الربا واستدل السدلان على ذلك بقوله: «حينما يرتكب الإنسان خطأ في حال الإحرام له عقوبة زائدة، عن كونه خارج الحل أي غير محرم». وأكد السدلان على جواز العقوبة بالمال على كل الأوجه سواء كانت مضاعفة في حالة التأخرعن السداد، أو الاكتفاء بمجرد العقوبة المستحقة دون زيادة. وأفاد السدلان أنَّ الشرط الجزائي يعتبر نوع من أنواع العقوبة بالمال، موضحاً أنه سبق وصدرت فتوى تشير «لو اشترى الإنسان عقارا بمائة ألف ريال، وإذا تأخر بدفع القسط المستحق يكون عليه جزاء، وهذا الجزاء هو أخذ مبلغ إضافي»، مبيناً أنه يقاس على هذه الفتوى قضية المخالفات المرورية. وخلص السدلان إلى أنَّ مضاعفة المخالفات المرورية في حال التأخر عن السداد، لا تدخل في باب الربا، وإنما تدخل في باب العقوبة بالمال.