خلال الأيام القريبة الماضية لم يكن يشغل الناس إلا سؤال واحد: متى تصرف الراتبان؟ وهو سؤال يتشكل وفق حاجة السائل. والسائلون تزايدوا وتكاثروا، وكل منهم يريد أن يكون له نصيب في الراتبين المنتظر وصولهما، فالزوجة لها صيغة، والأبناء لهم صيغة، والديانة لهم صيغة أكثر تبجحا وفحشا، وكثير من الموظفين المنتظرين قد سارعوا بتوزيع الراتبين قبل استلامها من خلال الوعود بتقسيم عادل بين أفراد العائلة، طالبين بذلك إدخال الفرحة على زوجاتهم وأبنائهم، ولهذا اشترك الجميع في طرح السؤال السابق: متى يصرف الراتبان؟ وتحول السؤال إلى بحث عن أسباب عدم مبادرة البنوك لضخ الراتبين في حسابات الموظفين، ولأن الأعداد كبيرة وتكرارها لسؤالها أزعج البنوك وشكل أداة ضغط على مسامعهم تبرأت من أن تكون المتسببة في التأخر ووجهتهم إلى الإدارات المالية التابعين لها لطرح سؤالهم المتكرر، رافضة التعليق على آلية الصرف أو أسباب التأخر. وقبل ذلك، كانت وزارة المالية قد تبرأت من التأخر وأعلنت بأنها أعطت أمر الصرف لكل الإدارات المالية.. وهنا بدأت فتاوى الإداريين تعلل وتبين سبب التأخر، واضعة عدة احتمالات، أهمها أن الأمر كان مفاجئا ويحتاج إلى أعداد مضاعفة من الموظفين لكي يتم إعداد المسيرات، أو أن هناك تعليقا لحالات وظيفية لا ينطبق عليها الأمر، وبالتالي عطلت الصرف أو رغبة الإدارات المالية بإنزال الراتبين مع راتب شهر ربيع الآخر أو تقديم راتب الشهر ثم الراتبين.. وتطاير الناس كل منهم له تعليل أو لوم على الإدارات المالية أو على البنوك. وأصحاب اللوم هؤلاء يعلمون تماما بأنهم صرفوا الراتبين على العائلة قبل استلامها وما تبرمهم ولومهم إلا استجابة للوم الزوجة والأبناء من تأخر ما حصلوا عليه من نصيب.. ولهذا تجد الموظف راغبا في التخلص من (الزن) الذي يواجهه من الجميع: متى تصرف الراتبان؟. ولأنه لا يوجد جواب شافٍ فسوف يتكرر هذا السؤال حتى تصرف الراتبان وتوزع من عند مكينة الصراف الآلي، ساعتها سوف يرتاح الموظف من كثرة أسئلة السائلين، وسيجد نفسه أكثر انتعاشا لانتظار صرف راتب ربيع الآخر من غير تشويش أو مطالبات إضافية.