ذات رحلة على خطوطنا الجوية كانت المضيفة الأجنبية تواجه مأزقا في إعادة ترتيب مقاعد العائلات، وهي مشكلة دائمة تتسبب في تأخير الرحلات، لم تكن المسكينة قادرة على إقناع العائلة بالجلوس حسب أرقام المقاعد ولا كانت قادرة على إفهامهم بالانتظار حتى تتدبر الأمر لأنها لا تتحدث اللغة العربية وربما لا تدرك هول الأمر بالنسبة لبعض النساء عندما يجاور مقعدها رجلا. قلت لرفيقي في الرحلة ألا تعتقد أنه لو كانت المضيفة سعودية ربما كانت أكثر قدرة على حل مثل هذه المشاكل النسائية على الطائرات، وكان رده الاستنكاري سريعا: تبغى البنات يشتغلون مضيفات، اسكت.. اسكت.. وفعلا التزمت الصمت، لكنه لم يكن قادرا على منعي من استمرار التفكير في هذه المسألة.. لا أعرف بالضبط كم عدد مضيفات الخطوط السعودية ولكنه عدد كبير بالتأكيد، ونسبة كبيرة من هذا العدد تعمل على الرحلات الداخلية، فهل هناك مشكلة إذا اشتغلت الفتاة السعودية على هذه الرحلات؟؟ شخصيا لا أعتقد، إلا إذا أردنا خلق المشكلة من لا شيء كعادتنا المفضلة. الطائرة مليئة بالركاب، أي أنها مكان عام فيه الرجال والنساء ولا يوجد حيز للخلوة يثير الشبهة. تستطيع المضيفة السعودية الخروج من منزلها باتجاه المطار كأي مقر عمل آخر، وتصعد الطائرة وتقوم بعملها على الرحلة وتعود مرة أخرى إلى المطار ثم إلى منزلها. لدينا آلاف الفتيات المؤهلات يجدن اللغة الإنجليزية، وبعد دورة متخصصة تستطيع الواحدة منهن العمل كمضيفة براتب كبير تأخذه الآن أي مضيفة أجنبية. المدينة السكنية الضخمة للمضيفات في جدة لن تكون الخطوط بحاجة لها ولا لتكاليفها الكبيرة ومشاكلها. كل مضيفة سعودية ستعود إلى منزلها، وتستفيد من بدل سكن يضاف إلى راتبها.. لن تكون هناك مشكلة لو كان معها مضيف في الطائرة، ستكون مع زميلة أو زميلات لها والمضيف كذلك، وكلهم أمام خلق الله.. تصوروا كم من الوظائف سنوفرها للسعوديات لو تجاوزنا شكوكنا المريضة ودواخلنا المعتمة.. بل تصوروا كم سنوفر من الوظائف المجزية لو عملت الفتاة السعودية خلف كاونترات السفر في المطارات، وفي مكاتب الحجز وإصدارالتذاكر، وهي وظائف أغلبها نسائية في كل دول العالم.. بإمكاننا أن نخطو هذه الخطوة بالتدريج إذا أردنا أن نكون مجتمعا إنسانيا سويا، وبإمكاننا رفضها إذا أردنا الاستمرار في التخويف من الحياة الطبيعية للبشر.