ان كان الوفاء عنونا فهو محمد بن مسعود الصيدلاني,, بهذه العبارة الممزوجة بحزن الفراق نعى شعراء الكسرة رفيق دربهم الشيخ محمد مسعود بن حذيفة الصيدلاني الذي وافته المنية يوم الجمعة 24 / 11 / 1435 ه بعد معاناة مع المرض وحياة حافلة بالعطاء كان فيها نعم الاخ والصديق لرفاق دربه من هنا وهنا وهو المجبول بطبيعته علي مد أواصر العلاقة نحو البعيد قبل القريب , الرجل الذي عرف بإستقامته ودماثة أخلاقه ما أكسبه محبة الصغير و الكبير , لقد كان أبو عبدالرحيم محل حفاوة و تقدير نظير بساطته وعطفه وهو الشغوف دوما بأصالة الماضي وحب الموروث إذ كان ملازما للشاعرين حامد محمد عطيه الصيدلاني وأخيه عبدالله مجسدا أجمل صور الوفاء لا سيما تلك اللتي شكلت حضورا لافتا لأملج في مقارعة كبار شعراء الرديح وهو ما يؤكده دوما الشاعر اللواء أحمد عبدالله الصيدلاني والذي بدا متأثرا حيال فقد العم محمد بن مسعود مشرا إلى علو قامة الرجل لدى أقاربه وعارفيه اذ لم يقصر في أداء واجباته الاجتماعية حتى وإن كلفه الأمر المجيئ على العكاز.
يقول الشاعر أحمد عبدالله الصيدلاني :
طيب النبأ نهجه الدايم .. للضيف وإلا صغير القوم فالحق ما يأخذه لايم .. وما غاب عن واجبه لو يوم
لقد فاضت مشاعر الحزن مترجمة هذا الصدق الذي يكتنف رفاق محمد مسعود فهذا قائد صف أملج الشاعر محمود عزازي كتب يقول ( لقد طويت صفحة من أزكى الصفحات عطرها المسك الذي يعطر أجواء من عاشوا حول هذا الرجل طيب القلب .. الوفي صاحب النخوة وراعي الجميل وسيد الوقفات انه الشهم أبوعبدالرحيم الذي له مواقف طيبه وهو في أشد حالات المرض معي ومع غيري , تراه يذهب بنفسه للأفراح متحاملا علي كل الآلام والاسقام ليسعد الاخرين .. رحم الله أبا عبدالرحيم وندعو الله أن يرحمه و يتغمده بواسع رحمته).
هنا يقول الشاعر محمود عزازي :
مصابنا في فقيد أملج .. أكبر من دموع نسكبها راعي وفا طيب المنهج .. والخير يطوي مناكبها مواقفه ذكرها يبهج ..علي التقى عاش حاسبها يالله تجعل له المخرج .. في جنة الخلد مكسبها
لقد كان لأبي عبدالرحيم مواقف لا تنسى لعل منها ما يذكره الشاعر الكبير شتيوي الرفاعي الذي يقول ( محمد مسعود الصيدلاني تربطني به علاقة وطيدة من ثلاثين سنة وهو من المعدودين الذين جبلوا علي التقدير تجده حريص على مجاملة الأصحاب والوقوف معهم عندما يحين الواجب .. لقد افتقدته في زواج ابني بسام وانشغلت عليه ذلك أنني أعرف أنه لا يمكن أن يتأخر وقد كان انشغالي في محله فقد منعه المرض في حينه عن الحضور, عرفت هذا عندما اتصل بي هاتفيا قائلا :
منكم جواب الوفاء جاني .. يا ربةٍ ساسها المقدار فرحان والجهد ما أعطاني .. قصدي أجي و اقبل المعذار
ولأنني في الحقيقة لا أشك في وفائه وصدق مواقفه حتى لو لم يتصل ويخبرني بذلك فقد قلت ردا على كسرته : يشهد لك القاص والداني ... انك على الطيب بإستمرار ان عشت والرب خلاني .. ما يردني عن وفاك ديار
رحم الله هذا الرجل الذي لن توفيه الكلمات لقد انتابني حزن كبير على فقده.
هنا يقول الشاعر شتيوي الرفاعي :
فاجأني العلم وأبكاني .. قفى محمد بن مسعود عساه في عالي جناني .. راع الأدب والوفاء والجود
لقد وثق الفقيد عرى صداقاته لتمتد خارج حدود املج يحدوها منهج الطيب وتلك الابتسامة التي لا تفارق محياه وهو ما أثر في صديقه الشاعر القدير جبارة بن سعيد العروي ابان تلقيه الخبر ليرثي صديقه قائلا :
الآن جانى خبر دوبه .. وقاال لي راوى الأخبار صاحبك من أمس قفوبه...وغّيّر الدار هذا بدار وحسيت فى نار مشبوبه...فى داخلى والدموع غزار ولاشك الأعمار محسوبه...عند الذى مقدر الأقدار كريم لو تطلبه ثوبه...اعطاك من دون لا يحتار ويشدنى روعة اسلوبه...بالشعر ومواكب الشعار ولجل الوفا يسلك دروبه..وعليه ما يصعب المشوار يارب تغفر له ذنوبه...وتدخله جنة الأبرار
ويستمر شعرائنا في سرد مواقفهم مع أبي عبدالرحيم وهذا الشاعر عبدالله باخت الذي يقول : لقد كان للعم محمد مواقفه التي لا تنسى حيث أذكر في ليلة زفاف أخي أن تزامنت تلك الليلة مع ليلة زفاف أخرى في ينبع وهو ما دعا محمد مسعود للحضور في كلتا الليلتين رغم المشقة والعناء لقد حضر ليلة زفاف أخي متعنيا و أخذ يردد هذه الكسرة اثناء مصافحته لي قائلا :
روّحت في لازمي ثم جيت عن لازمك ما تأخرنا دعيّت لجل الوفاء وأرسيت ميقاف واجب ويلزمنا .. لقد بدى الشاعر عبدالله باخت متأثر ليكتب في فقد ابي عبدالرحيم هذه الكسرة : ما ألومه الطرف لاهله...دمع المفارق وبان وسال على الرفيق الذي قله...ولا يجيك من جانبه بطال صف املج والبلد كله...محال ينسى وفاه محال طالبك يا الله تغفر له..وتنزله فى أحسن المنزال
لقد أسر الفقيد كل من عرفه بتلك السجية التي ترتسم على محياه البشوس وهذا شاعرنا القدير عطية الله الفدعاني من ينبع النخل يبعث برثائه قائلا : طرفي لو أنه بكى معذور ...يبكي على خيرة رفاقه رجّال راعي وفاء وحضور .. مشهور في منهج أخلاقه يا رب تجعل طريقه نور .. وفي جنة الخلد مشراقه وتجعل معه ذنبنا مغفور ...في يوم سرنا على سياقه
اننا بفقد الشيخ محمد بن مسعود الصيدلاني نكون قد خسرنا واحدا من أعمدة الموروث كمرجع هام في الرواية وتوثيق مواقف الشعراء وليالي الصفا خصوصا تلك التي اقيمت في أملج .. وهو ما يؤكده الشاعر ناصر عليثة قائلا : مما لاشك فيه بأن رحيل محمد مسعود رحمه الله يعد رحيل مدرسة كاملة من مكارم الاخلاق والوفاء والنبل والادب وقبل هذا كله الدين والاستقامه فقد عرفناه رجلا مستقيما محافظا يحب الخير للجميع ويسعى في اصلاح ذات البين لين الجانب دمث الاخلاق كريما بسخاء وبجانب ذلك موقعه في عالم الادب والموروث فهو يعد ركيزه ومرجع للموروث خصوصا في موروث الرديح وفي الختام لانملك الا الدعاء للفقيد الغالي بالرحمة والمغفرة )
ونحن بدورنا في نهاية المطاف نشاطر المحياوي الدعودة راجين من الله أن يرحم الفقيد وأن يغدق عليه من نعيم فضله ويوسع مدخله في جنات النعيم وان يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان أنه ولى ذلك والقادر عليه.