أزمات كثيرة كما يشير (جيرالد مايزر) ليست في الواقع سوى حاجة ماسة إلى مواجهة مشكلة كانت لفترة طويلة نارا تحت الرماد , حيث يُهمل المسئولون تحذيراتها المبكرة بعدئذ تأتي اللحظة الحرجة التي تجبرهم على إجراء تغيرات كان عليهم إجراؤها منذ البداية ..الخيارات هنا تبدو محدودة و البحث عن طرق النجاة باهظ الثمن وهكذا كلما تراكم الخلل تورمت أوردة التنمية. وإذا ما كان الحديث عن قوائم الخلل لدينا فسرعان ما تظهر أزمة الاستيلاء على أراضي الدولة كأزمة محلية واقعية بات مجرد التفكير فيها هماً يجثم على القلب لا سيما والفوضى التي تكتنف العقار في ظل جشع هوامير السوق وعمليات الاستيلاء المقننة وهذه الأسوار الممتدة على مد البصر والتي وللأسف تتم وفق تواطأ و إجراءات ملتوية راح ضحيتها المواطن الذي سحقت أحلامه في أحقية تملكه لبيت يؤويه وأسرته في هذا البلد وارف الخيرات !
إن إرتفاع أسعار الأراضي الجنوني ما هو إلا إنعكاس طبيعي لهذا الإستيلاء الذي جعل محتكرو سوق العقار يتلاعبون في الاسعار دون رادع قانوني أوعقاب صريح إذ ليس هناك ما يبرر إرتفاع الاسعار سوى هذا السبب , إنه واقع ملموس جعلنا وللأسف الدولة الوحيدة التي يفوق فيها سعر الأرض ثمن البناء ,
ولكي نستوعب حجم المشكلة كما يوضحها المهندس المختص خالد العٌمري فللقارئ الكريم أن يتخيل أنه وفي منتصف الثمانينيات الميلادية كان متوسط قيمة الأرض السكنية يبلغ ما يعادل ثمانية رواتب تقريبا لمتوسط دخل الفرد السعودي في حينها وللقارئ الكريم أن يصاب بالدهشة إذا علم أن نفس هذا المواطن الذي زاد دخله في العقود الماضية بما يقارب 20%سوف يحتاج إلى دفع ما يقارب من ثمانين راتبا على مقياس متوسط دخل الفرد السعودي حاليا للحصول على أرض سكنية كما سيحتاج إلى عشرين سنة تقريبا ليحصل على القرض العقاري الذي لن يكفي في ظل هذا الارتفاع الجنوني أيضا في تكاليف البناء ..
وعليه فقد جاءت قرارات الملك كطوق نجاة في مؤشر بديهي لإنعكاس هذه الازمة إلا أن إكتمال منظومة هذه القرارات يحتاج دعما قويا يتمثل في استرداد كافة الأراضي التي سلبت دون وجه حق , خصوصا وأننا بدأنا نلمس المعاناة التي تواجه الجهات الحكومية في سبيل حصولها على أراضي لتنفيذ مشاريع تنموية في بلادنا ..
أخيرا ثمة ما يدعونا للمطالبة باسترجاع كافة الأراضي المسلوبة و السعي المتكامل نحو إيقاف ظاهرة الأحواش والأسوار التي تستحل الأراضي الزراعية والمخططات و تُفاقم الجشع والهوس وهو ما سيأتي دون شك على حساب أحلام وأمنيات جيل المستقبل