[COLOR=green]محطات الحلقة الرابعة "رمضان .. ذكريات ومواقف " تلفزيوننا العزيز 4 سأتحدث اليوم عن برنامج نوهت عنه في المقالة الأولى من هذه السلسلة، لكي ننطلق من بعدُ في حديثنا الذي سأترك له مقوده يختار دروبه بنفسه، دون استدراك لما مضى من أحاديث، وأقصد برنامج أطفال المدينة، الذي كان من أشهر برامج الأطفال، بأسلوبه المتميز بأناشيد الأطفال، وبأداء أبناء المدينة الذين أصبحوا الآن أباء وأمهات، وربما أصبح لبعضهم حفدةً، ومن أشهرهم الطفلة المعجزة، والتي تحمل الآن شهادة الدكتوراه في الفيزياء التطبيقية فايزة بكر عبده ابنة أخ أستاذنا الدكتور أسعد عبده، عضو مجلس الشورى. والطفلة فايزة كانت صاحبة صوت طفولي ساحر مؤثر، طرزته بألحان الفنان المبدع الأستاذ/ محمد النشار، والكلمات المتميزة التي قل أن نجد لها مضاهاة في عالم أناشيد الأطفال اليوم، بمحليتها اللذيذة، لأفضل من كتب للأطفال، كما وصفه النشار، وهو العم/ محمد يوسف شاذلي للطفال كما وصفه الملحن محمد النشار أطال الله في عمره والد صديقنا وأخونا الإذاعي المرحوم/ منصور الشاذلي، الذي لم يمهله المرض فمات في عنفوان الشباب وفقدت بموته أخاً عزيزاً وصديقاً وفياً. تلك الأناشيد التي لم يكن هناك من أبناء جيلنا زمن الصبا، أو الجيل الذي بعدنا ممن كانوا أطفالاً حينها، في المدن التي كان يصلها البث التلفزيوني في تلك لأيام من لم يرددها ويحفظها، والتي لازلتُ وسأظل أحتفظ بتسجيلات لها واستمع إليها بين حين و آخر لأستعيد ذلك الزمن الجميل، فمن تراه ينسى: قول لي ليه ولماذا وكيفا أنت عاصي وراسك ناشفة قول لي ليه قول لي ليه ؟ قول لي ليه ما تحل الواجب ** وتخلي أستاذك زعلان؟ حاسب ياشيخ على نفسك حاسب ** لا تصير في آخر السنة خسران ويقولوا لك بكرة يراسب ** كيف المهمل ينجح كيفا؟ ********* قول لماذا وليه يا أخينا ** دايما دفاترك ممزقة والشنطة صارت زي الطينا ** وأقلام في يدك مكسرة وتبغى تنجح قول يا خينا ** كيف المهمل ينجح كيفا ومن ينسى ذلك النشيد الذي تغنى بعنب المدينة الشهير: عنبي يا عنبي يا عنابي ** يا هدية من أرض بلادي عنب المدينة يا أحبابي ** عناقيد بتلمع و تلالي وغيرها من الأناشيد التي تحث على الاجتهاد في التحصيل العلمي، وبر الوالدين واحترام المعلم، وترك (الشقاوة)، والتحذير من السرعة، كل ذلك في أسلوب بسيط وكلمات تخاطب عقل الطفل بما يناسب وعيه وإدراكه، لا وعي وإدراك بعض من يتصدى للتأليف للأطفال، فيحشرون عقولهم الكبيرة، في حيز عقل الطفل الصغير، الذي لا يستوعبها، ويحشون مخه بمصطلحات يرددها دون أن يعرف مدلولاتها، مثل نشيد قرأته في مذكرة الأسبوع لإحدى المدارس الأهلية، موجه لطلاب مرحلة الروضة تقول كلماته: عند النوم .. البس ثوبي .. أنسى همي بالله عليكم قولوا وأنصفوا كيف لطفل لم يتجاوز الرابعة من عمره أن يعرف الهم والغم؟! لقد كانت كلمات أناشيد ذلك البرنامج، وبرامج الأطفال المماثلة التي كانت تنتجها محطات التلفزيون العزيز في ذلك الوقت، تكتب بلغة يفهمها الأطفال، فيها جرعات توجيهية، يتعلمون منها، فيما عرف من بعدُ بالتربية بالترفيه. أقرؤوا معي هذه الكلمات البسيطة لهذا النشيد التربوي الهادف: كسر القارورة وكب الزيت ** ونثر الشطة في كل البيت فضل يعطس .. وماما تعطس ** وخرج بيجري برا البيت الكورال : هو مين ؟؟ هو مين ؟؟ هو مين؟؟ أخويا عدنان الشيطان ** خلى عقل الماما يطير طول النهار لف ودوران ** ما فيش غير كب وتكسير الكورال : ها وبعدين ؟؟ ها وبعدين ؟؟ ها وبعدين ؟؟ دخل البيت زي العفريت ** وثيابه وسخة زي الطين جا عالكنبة و كسرها ** وخلى الغرفة بدون ترتيب الكورال : يخس عليه !! يخس عليه !! يخس عليه!! إن هذه الشقاوة، بأدوات ذلك الزمن التي عالجها هذا النشيد، تختلف عن شقاوة أطفال هذا الزمن الإلكترونية، وثقافته التي فتحت أمامها كل أبواب المعرفة، وأصبحنا نستمع إلى أناشيد أطفال بلغة العصر وهو أمر طبيعي بما يعترى العالم من أحداث تغلغلت فينا، فاختلفت المفردات، وسمعنا أطفالنا يرددون: لما بنستشهد بنروح الجنة لا لا تقولوا علينا صغار من ها لعيشة صرنا كبار وأرجو أن لا يفسر استشهادي هذا خارج سياقه، فهو أقرب مثال جال بخاطري، إذ ليس أخطر من شغل الطفولة بمثل هكذا أفكار، لا تتناسب وسنهم، وعلى كل حال ليس هذا موضوعنا. المهم أنه في محطة تلفزيون الرياض، كانت هناك طفلة أخرى رائعة بأدائها، وجمال صوتها، هي "منيرة الثنيان"، التي شدت بأعذب ألحان الصديق الذي اختفى فجأة دون وداع، الملحن فيصل حنيف، وكلمات الأستاذ صالح الحمدان، الذي كان يقوم بالإخراج أيضاً، ومن أشهر ما أنشدته منيرة (جمال أبي) التي تقول كلماتها: جمَّال أبي جمَّال أبي وصل سلامي لأمي وأبي قول له منيرة الغالية فوق الجبال العالية ترعى الغنم .. ترعى البقر تجمع حطب تزرع عنب حتى بذور البامية تلك كانت لمحات من زمن الطفولة والصبا الوريق، نعود بعده في المقبل من الحلقات إلى ما وقفنا عنده في الحلقة السابقة بإذن الله. ومعلومة على الهامش، فقد كانت المحطات التلفزيونية في بداية الإرسال تبث فقط على نطاق المدينة التي بها المحطة، وبالأبيض والأسود، ولم تكن هناك محطات في غير (الرياضوالمدينةوجدة والدمام)، وكانت كل مدينة منها مستقلة بإنتاجها وبثها الذي لا يشاهد في غيرها، وتبع ذلك التبادل البرامجي بين تلك المحطات، ومن ثم توحد البث من محطة الرياض التي كانت تستقبل كل الإنتاج وتبثه لأغلب مدن المملكة. في وقت ظلت أملج وحتى عام 1400ه تقريباً لا تستقبل غير بث دولة مصر أو السودان الشقيقتين، عن طريق "الأريل الهوائي"، الذي يتحكم في صفائه الطقس، وأنت وبختك يا أبو بخيت، ولا زلت اذكر جيدا في شهر رمضان عام 1396ه، عندما استقبلنا العم عيد الصائغ وعمتي مسكة رحمهما الله وأنا، أول بث بعد أن نصبنا الأريل، وكنت أحلم بأن يكون بثاً مصرياً، ولكنه جاء سودانياً، وهو لمدائح صوفية على الطريقة السودانية، أعجب بها العم عيد كثيراً وتسمر أمامها، بينما وضعت خدي على يدي حسرة وأنا أردد " أفرح يا عم جات على طبطابك". وعمتي مسكة تقول: قوم أحسن لك حط الطبلية، (ذُوَان) يأذن عمك "زارع دودس" المغرب، خلينا نلحق نفك ريقنا، وترى جيراننا بيت عم كامل جابوا لنا طعمية حارة من زيتها.