خرج يزيد مطرقا رأسه هائما على وجهه لا يعي ما حوله تضرب به أمواج الحزن والكآبة يمنة ويسرة، وتسوقه تيارات الخوف والقلق شرقا وغربا بلا وجهة مقصودة ولا بقعة آمنة بل حيرة في حيرة .. تملي عليه نفسه أفكارا سلبية، ووساوس شيطانية فتتلقفها شفتاه مرددة إياه بيقين تام تقول: أنت فاشل. فيقول: أنا فاشل. أنت غبي أنا غبي أنت ضعيف أنا ضعيف أنت مريض أنا مريض وتسترسل في غيها ويسترسل هو في الاذعان لها إلى أن جثى على ركبتيه بالقرب من عمارة سكنية في أقصى الحي عليها لوحة مكتوب عليها " للبيع" فذرفت عيناه وكتم شهقاته ونظر بحسرة قائلا : يا ليتني أعرض همومي للبيع كما هذه العمارة وأشتري راحة وسكونا وطمأنينة ولكن هيهات هيهات من يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير . وفي أثناء وقوف يزيد أمام العمارة وتمتماته الخافتة مع نفسه رآه صديق له قديم فعرفه وأقبل عليه مناديا له : يزيد يزيد . فالتفت له يزيد في بطء وكأن جبلا تحرك من مكانه فلما لمحته عيناه عرفه وقال: هذا أنت حازم. قال: نعم أنا حازم فتعانقا طويلا . قال يزيد : ما هذه الصدفة المباركة التي جمعتنا . قال حازم: بل قل ما هذه العمارة المباركة التي جمعتنا .. لقد جئت لأنزع اللوحة من عمارتي فقد عدلت عن رأيي ولن أبيعها . وأنت ماذا جاء بك ؟ زفر يزيد زفرة طويلة وقال اللوحة .. استوقفتني اللوحة وودت لو عرضت همومي ومخاوفي للبيع بثمن بخس وأنا فيها من الزاهدين . تعجب حازم وقال : أتظن أن أحدا يبحث عن مزيد ألم وحسرة يا صاحبي فكل الأجساد متعبة وكل الأرواح منهكة .. بضاعتك مزجاة ولن تُشترى منك .. أتلفها، حطمها، هشمها، هذا الطريق الوحيد للتخلص منها. قال يزيد: كيف وهي تأكل معي وتشرب تنام وتصحو أين المفر ؟ قال حازم: سأعطيك خلاصة تجربتي فاعمل بها ولا تتخاذل إن كنت ترجو الخلاص الأبدي منها . أولا : استعن بالله فلا حول لك ولا قوة إلا به . ثانيا: هاجمها ولا تكن مدافعا فخير وسيلة للدفاع الهجوم فالعقل اللاواعي يصدق كل ما تقوله النفس له فإن قالت لك : أنت فاشل لا تقل نعم أنا فاشل بل قل: أنا ناجح وإن قالت أنت غبي قل: أنا ذكي وإن قالت : أنت ضعيف قل أنا قوي وهكذا هاجمها حتى تخور قواها . ثالثا: إن أطلقت عليك الأحكام السلبية المجملة فتتها بالتفاصيل النيرة التي قمت بها في حياتك وإن ذكرتك بالمواقف الحزينة والعثرات الصغيرة ادمغها بذكر شمائلك الجميلة وأخلاقك الرفيعة . رابعا : إن سخرت من ضعفك واستسلامك لها في الماضي وذكرتك بتلك الليالي الحالكة وخوفتك من الاقدام والتغيير اسخر منها وقل " ثم ماذا بعد؟ " سأحاول وأحاول ولن أخسر . خامسا : إن جاءتك وساوسها عن يمينك حاصرها حتى تفر إلى شمالك ثم انفث ثلاثا واستعذ بالله. سادسا: عش بصمود وتحدي واترك همومك ومخاوفك خلفك تلهث حتى ينقطع نفسها فتموت فهي حرب ضروس والمنتصر صاحب النفس الطويل. سابعا: استمتع باللحظة ولتكن " هنا والآن" شعارك والتفاؤل رفيقك " الحاضر جميل والقادم أجمل" ثقة بالله وحدة . وأخيرا : احمد لله الذي أعانك على مواجهتها فقليل من يواجهها وكثير من ينكسر أمامها . تهلل وجه يزيد فرحا وقال له : سأعمل بها ، ممتن لك يا حازم كثيرا. كتبته: ريم بنت محمد الغويري .