بسم الله الرحمن الرحيم ظهر لفظ حقوق الإنسان بلفظه وبتفسيره في بيئات غير مسلمة، ومن قبل أناس ليسوا من أهل الإيمان الحق بالله تعالى؛ أي ليسوا من أهل الإسلام؛ ولذا فمن الطبعي أن تأتي هذه الحقوق معبرة عن عقيدة وثقافة وسلوك وتصورات واضعيها. والحقيقة أن ما يسمى اتفاقات وصكوك حقوق الإنسان العامة والمتخصصة – مثال العامة ما يسمى العهد الدولي لحقوق الإنسان، ومثال المتخصصة ما يسمى حقوق الطفل وحقوق المرأة وهكذا – الحقيقة الظاهرة أن هذه الاتفاقات والصكوك قائمة على استبعاد الالتزام بما شرعه الله للبشرية في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن الدين عند الله الإسلام، بل أكثر من ذلك رفضت هذه الاتفاقات الحقوقية ما شرعه الله وناقضته وهو أمر معلوم لكل مطلع. أما ما أريد بيانه في هذه العجالة فهو مفهوم الحقوق بين الشريعة الإسلامية والشريعة الليبرالية التي تقف وراء تلك الاتفاقات الحقوقية، فنظرة الإسلام إلى الحقوق تقوم في المقام الأول على التزام شرع الله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا) ومن ثمراتها حفظ ضرورات الإنسان كل إنسان من دين، وعقل، ومال، وعرض، ونفس، وذلك من قبل السلطة أمام رعيتها، ومن قبل كل إنسان تجاه كل إنسان. بينما النظرة الليبرالية لحقوق الإنسان تقوم على حرية الاعتقاد، ولو كان سب ذات الله تعالى، وسب رسوله صلى الله عليه وسلم، والضابط الوحيد في التعبير الليبرالي الحقوقي ألا يستعمل العنف وألا يدعو إليه. وأما في الجانب السلوكي الفردي فمن حق الإنسان وفق التصور الحقوقي الليبرالي الذي تبنته صكوك واتفاقات حقوق الإنسان الأممية أن يفعل الإنسان ما شاء، شرط أن تتوقف حريته عند حرية غيره، فله أن يزني، وأن يسير في الشارع عرياناً، وأن يشرب الخمر على قارعة الطريق، وغير ذلك من التصرفات المشينة المحرمة المنافية للفطرة الداعية إلى هدم إنسانية الإنسان، بل بلغ الحال إلى إباحة الزواج بين الرجال والزواج بين النساء تحمي ذلك قوانين حقوق الإنسان.. وهو أمر لم تعرفه البشرية إلا في ظل صكوك حقوق الإنسان الليبرالية. الحقوق في الحقيقة هي ما يضمن الخير للإنسان فرداً وجماعة، هذه غاية الحقوق، لكن يد العبث الذي تقف وراءها عقائد وقوى ظلامية معنية بهدم الإنسان لا تنظر للحقوق من هذه الزاوية، بل تنظر إليها من زاوية العمل بكل ما من شأنه هدم خصائص الإنسان؛ تمهيداً لاجتثاث إنسانيته والقضاء على كرامته؛ وهو ما يبدو واضحاً للعيان في السنوات الأخيرة. لقد أردت صكوك واتفاقات حقوق الإنسان إنسانية الإنسان وقادت البشرية إلى حتفها أشد مما فعلته الحروب. إن الحقوق السليمة السامية هي التي تحافظ على إنسانية الإنسان من الدنس والتردي، فحين تحرّم الشريعة الإسلامية الزنا تحفظ المجتمع الإنساني من الدمار الذي تسببه العلاقات الجنسية الزنوية، وقل مثل ذلك عن اللواط، وحين حرمت الشريعة الخمر فلأنها بشهادة كل العقلاء والمنصفين سبب للدمار والفساد، وحين تطالب الشريعة بستر الرجال والنساء وعدم إظهار ما لا يجوز إظهاره فإنما ترتقي بالإنسان من مستوى الحيوان، ولو نظرنا إلى الإنسان في خلقته لوجدنا أن اللباس بالنسبة له ضرورة وجودية، بينما الحيوان مستورة عورته بأصل خلقته.. قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [سورة الأعراف: 26]. إن الإنسان لا يسمى إنساناً إلا إذا ارتقى عن مستوى البهيمة، والبهيمة لا حرج عليها فيما تأتيه بحكم كونها بلا عقل ولا تكليف، لكن الإنسان حين يتصرف كالبهيمة فهو أحط منها منزلة، وهذا أمر متفق عليه، وإذا نظرنا إلى أحكام الشريعة كافة وجدناها ترتقي بالإنسان، فالقصاص حياة، وقطع اليد السارقة أمان للناس في أموالهم ودمائهم، وحد القذف حفظ لسمعة النساء والرجال على السواء، وأهم من ذلك كله أن الإيمان بالله تعالى هو الضمان الحقيقي لكل الحقوق، ذلك أن المؤمن يحفظ حقوق الله تعالى وحقوق عباده إيماناً واحتساباً، بينما غير المؤمن يحفظ الحقوق مادامت السلطة على رأسه مراقبة له فإذا غفلت عنه انتهك كل الحقوق! والخلاصة أن النظرة السليمة المنصفة إلى الحقوق تأخذ بأيدينا إلى حقيقة ناصعة، وهي أن الحقوق في الإسلام هي ما يحقق الخير بصورتها الشاملة للإنسان، بينما لا تنظر حقوق الإنسان وفق المعايير الليبرالية المادية إلا إلى جانب محدود من الحقوق، بل إنها تفوت على الإنسانية كثيراً من الحقوق وتهدر كثيراً من كرامة الإنسان وآدميته. والله ولي التوفيق علي التمني