حق لله تعالى أن تنبعث غَيرةُ المسلم لدين ربِّه سبحانه، فينشط في مكابدةِ هواه أولاً؛ بعصيانه وتسخيره لما جاءت به الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمَّا جئتُ بِهِ"[1]، فيظفر بالشهادةٍ النبوية بالإيمان .. وكفى بها شهادة .. وإن من التقليعات الحادثة التي يُغذِّيها هَوَسُ التجديد والتغيير ولفت الانتباه!، ما أصبح يقارف الكثير من المحرمات المقطوع بحرمتها في الشريعة .. فينتهك حدود الله حتى يتردَّى والعياذُ بالله .. قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنَّ لكلِ ملِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ محَارِمُهُ".[2] ولاشك أن أعظم المحارم[3] هو الشرك بالله ووسائله المفضية إليه. فكيف إن كان فعل الفاعل عبثياً محضاً؟!، كاقتناء التماثيل والتصاوير للفت الأنظار!، أو بزعم التغيير والتجديد والإتيان بما لم يسبق إليهِ أحد!، أو غيرها من خطيئات الفكر؟! .. ) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( ولقد باتت سيما بعض المحلات والمطاعم اقتناء أمثال تلك التصاوير الكبيرة على مداخلها، أمثال التنانين والأفيال وغيرها من تراث الأمم الوثنية، ولربما شاهد الرائي مقتنيات صغيرة في أرجاء وزوايا داخل تلك الأماكن ..! تصاوير وتماثيل تحاكي أصناماً وأوثاناً جاهلية .. عاودت الظهور في كثيرٍ من المجتمعات المسلمة للأسف تحت مسمياتٍ أخرى: تحفة .. نحت .. فن .. إبداع .. ثقافة .. تراث .. لون شعبي![4] وقد يتطور الأمر إلى اقتناءِ تماثيل ومجسماتٍ في صورِ أناسيَّ وبشر، في مداخل قصور الأفراح، أو ردهاتها الداخلية وطاولاتها .. لهثاً وجرياً وراء التجديد ولفت الأنظار ولو على حساب الأدب مع الله تعالى ..! أو محاكاة لبيئةٍ وثنية لاقت استحساناً من الرائي ..! ) وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْد اللَّه عَظِيم ( لو علم مقترف ذلك في أيِّ ذنبٍ وقع، لما أقدم على ما أقدم عليه!. – نسأل الله العافية -. فلماذا حُرِّمت التصاوير والمنحوتات والتماثيل صنعاً واقتناءً؟: أولاً: لما في ذلك من التعدِّي على مقام الألوهية – سبحان ربنا وتعالى -، فمن أفعاله جل وعلا (التصوير)، قال تعالى: ) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ (آل عمران (6). ومن أسمائه الحسنى (المصوِّر)، قال سبحانه: )هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( الحشر (24). و جاء في السنة عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".[5] قال النووي: "قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث"[6]. فتصوير ذوات الأرواح خاص بفعل الرب سبحانه، لذا توعد فاعلهُ المضاهي للخلق الإلهي بالوعيد الشديد في هذا الحديث وغيره من الأحاديث الشريفة. ثانياً: لما في ذلك من التشبه بالكفار. وذلك واقعٌ مشاهد في شتى بقاع الأرض. فيرى السائح في بلاد الكفر الشيء الكثير من التماثيل والتصاوير في الميادين والشوارع والمتاحف والمعابد الوثنية ما ينتزع طمأنينة نفسه وسكينة روحه – إلا أن يتشربها مع الإلف وتكرار النظر والمشاهدة! -. وكثيرٌ منها قراءة لفطرِة ناحتيها المنكوسة المشوهة، و كشفٌ عن عقولٍ ونفسياتٍ مبتذلة، ديدنها السفاسف. فهي – أي التصاوير والتماثيل – سِمةُ أهل الشرك وبلاد الكفر، ووسيلةٌ إلى الشرك أيضاً والعياذُ بالله. ومبدأُ الأمر تعظيمٌ وتفخيم في النفس، ثم سلوكٌ يتبع!. وقد جاءت الشريعة بالأمر بمخالفة أهل الشرك والكفر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين".[7] يقول ابن القيم: "وفي القصة[8]أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل البيت[9] وصلى فيه، ولم يدخله حتى محيت الصور منه. ففيه دليل على كراهة الصلاة في المكان المصور، وهذا أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام[10]؛ لأن كراهة الصلاة في الحمام، إما لكونه مظنة النجاسة، وإما لكونه بيت الشيطان، وهو الصحيح. وأما محل الصور فمظنة الشرك، غالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور".[11] فكيف بمن اقتنى شيئاً من ذلك على وجه الاستحسان، واعتقاد الزينة والتغيير بالخروج عن معهود المجتمع ومألوفه؟!. إنهُ كمن يحتسي خمراً مسكراً بنكهاتٍ وألوانٍ شتى، في الكؤوس الفاخرة!. فيجمع بين ألوان الحرام والمنكر في غمار الغفلة من حيث لا يدري ..! ما أحلم الله .. ما أصبر الله .. يقول صلى الله عليه وسلم: "لا أحدَ أصبرُ على أذًى يسمَعُه من اللهِ عزَّ وجلَّ، إنَّه يُشرَكُ به، ويُجعَلُ له الولدُ، ثمَّ هو يُعافيهم ويرزقُهم".[12] ناهيك عن حرمان المقتني نفسه من الخير، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل".[13] فالواجب ديانةً لله عزوجل، أن يحفظ المرء دينه من كل لوثةٍ وشائبة قد تنال منه ومن إيمانه، مهما اشتد دفعُ الهوى لذلك .. فدافعُ حبِّ الله عزوجل وتعظيمه أجلُّ شأناً وأسمى مكاناً، وأرفع قدراً، بل هو محكُّ الإيمان ومبنى الدين كله. قال السعدي – رحمه الله-: "أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله".[14] هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصاوير والتماثيل: عن أبي الهياج الأسدي قال: بعثَني عليٌّ، قالَ لي: "أبعثُكَ علَى ما بعثَني علَيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: أن لا أدعَ قَبرًا مُشرفًا إلَّا سوَّيتُهُ، ولا تِمثالًا إلَّا طَمستُهُ".[15] وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "حشَوْتُ وسادةً للنَّبِي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها تماثيلُ كأنَّها نُمْرُقَةٌ، فقام بينَ البابَيْنِ، وجعل يتَغَيَّرُ وجهُهُ، فقلْتُ: ما لنا يا رسولَ اللهِ؟ (أتوبُ إلى اللهِ مما أذنبْتُ)، قال: ما بالُ هذِهِ الوسادَةِ؟، قالتْ قلتُ: وسادةٌ جعلتُها لكَ لِتَضطَّجِعَ عليها. قال: أما علمْتِ أنَّ الملائكَةَ لا تدْخُلُ بيتًا فيه صورةٌ، وأنَّ مَنْ صنَعَ الصورَ يُعَذَّبُ يومَ القيامَةِ، فيُقالُ: أحيُوا ما خلقْتُمْ؟! وفي روايَةٍ: إِنَّ أصحابَ هذِهِ الصورِ يعذَّبونَ يومَ القيامَةِ، قالت: فما دخل حتى أخرجتُها".[16] فهلَّا اقتدينا؟! وهلَّا سلِمت الأفراح والمناسبات السعيدة من خبثِ ريحِ الجاهلية ..؟!. ) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ( [1] رجاله ثقات، أنظر: فتح الباري. [2] صحيح مسلم. [3] هي كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر. وللاطلاع على بعض الأحاديث الشريفة التي وردت فيها الكلمة يُراجع مبحث مختصر:https://islamqa.info/ar/107236 [4] أخبر صلى الله عليه وسلم أن ناساً من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها. فتغيير المسمى أحد وسائل تحليل الحرام وتحريم الحلال. [5] رواه البخاري ومسلم. [6] شرح مسلم. [7] رواه البخاري. وللاستزادة يمكن الاطلاع على مؤلف نفيس لشيخ الإسلام رحمه الله بعنوان "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم". [8] أي قصة فتح مكة. [9] أي الكعبة. [10] الحمَّامات قديماً: هي أماكن اغتسال عامة. قال بعض أهل العلم عنها: "بئس البيت بيت الحمام يبدي العورات ويذهب الحياء". وهي المقصودة في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود في سننه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بًالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء". وسكت عنه، وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح. وأحاديث الحمامات كما قال سماحة الشيخ ابن باز – رحمهُ الله – "كلها لا تخلو من ضعف ومقال، فيجتمع منها ومن أسانيدها أنها من باب الحسن لغيره لا لذاته". [11] زاد المعاد. [12] رواه مسلم. [13] متفق عليه. [14] تيسير الكريم المنان، ص342 [15] صححه الألباني. [16] قال الشيخ الألباني "رواه البخاري و مسلم بنحوه".