انتشرت ظاهرة التفحيط في الشوارع وتفاقمت لحدٍ جعل منها مخاطرة واستهتاراً لا تقف عواقبه على صاحبها فقط، بل أصبح التفحيط أشد فتكاً وأكثر ضرراً على النفس والممتلكات والأخلاق، وكذلك الأمن، ودفعت أُسر كثيرة فواتير باهظة الثمن بفقد أحد أبنائها بسبب ممارسته للتفحيط، أو كان ضحية لممارسين آخرين أثناء مشاهدته لهم. ومما فاقم المشكلة ظهور مشاهد كثيرة مؤخراً لسلوكيات وعبارات تدعو لأفعال غير أخلاقية يلوِّح بها المفحطون، وكذلك عدم احترام أفضلية وحقوق المرور في الطرقات، والدفع بالقبلية المقيتة من خلال بعض الشعارات الرنانة، وحمل الأسلحة البيضاء، وإطلاق النار، وكل ذلك ينذر بخطورة ما آلت إليه ظاهرة التفحيط. موقف الشرع من ظاهرة التفحيط قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء: 29 30]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال). رواه البخاري ومسلم. ووصف العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله، التفحيط وكذلك التطعيس، بالعادة السيئة والخطأ العظيم، الذي يترتب عليه دمار وإتلاف للممتلكات، ووجه – رحمه الله – أولياء الأمور بتقوى الله في أبنائهم، وألا يمكنوهم من هذه الأعمال العدوانية التي تنذر بزوال النعم. تنظيمات أمنية لمحاصرة ظاهرة التفحيط تبذل الجهات الأمنية جهوداً كبيرة للتوعية كما تضع العقوبات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، وأخيراً غُلِّظت المخالفات المرورية على ممارسي التفحيط للمرة الأولى بحجز المركبة 15 يوماً وتغريمه 20 ألف ريال، ويحال للمحكمة المختصة للنظر في تطبيق عقوبة السجن، وتكرار مخالفة التفحيط للمرة الثانية يؤدي إلى حجز المركبة لمدة شهر وغرامة قدرها 40 ألف ريال والإحالة للمحكمة، أما عقوبة التفحيط للمرة الثالثة هي حجز المركبة وغرامة 60 ألف ريال، والإحالة للمحكمة للنظر في مصادرة المركبة. انعكاس ظاهرة التفحيط على الأسرة والمجتمع لا شك أن ظاهرة التفحيط وصلت إلى مرحلة من الخطر، وشكلت هاجساً يؤرق الأسرة والمجتمع والمؤسسات الحكومية والمجتمع، وذكر التربوي علي أحمد هزازي، أن ظاهرة التفحيط لها مسببات واقعية؛ فالألعاب الإلكترونية التي تشجع وتكافئ لاعبيها الذين يتفوقون على الآخرين بالسرعة والتفحيط ومواجهة الشرطة، والهروب منهم جميعها ينشأ عليها الأطفال منذ مراحل عمرهم الأولى وتمتد معهم إلى عمر الشباب، وكذلك أصدقاء السوء الذين هم في الحقيقة أعداء لتلك الصداقة المزعومة التي تكون بداية الانحراف في الجانب الأخلاقي والتعليمي، وانتهاء بتعاطي المخدرات والتفحيط. ومما زاد من ظاهرة التفحيط؛ مواقع التواصل الاجتماعي من حيث تحديد المكان والزمان وتصوير المقاطع ونشرها على نطاق واسع. وأوضح أنه يتوجب على الجميع التعاون والتكاتف في محاربة هذه الظاهرة من جميع الجهات الحكومية والمجتمع، ابتداءً بالأسرة لتوعية الأبناء بخطر هذه الظاهرة، وبيان الطرق المؤدية إليها والآثار المترتبة عليها، بالإضافة لتفعيل دور المدرسة فلا يمكن أن يكون دورها في إلقاء المعلومة فحسب، بل هي مسؤولة عن تربية النشء تربية صالحة تغرس فيه القيم السامية وتحذره من السقوط في وحل المخدرات والتفحيط؛ فمن المؤسف مشاهدة التجمعات أحياناً بالقرب من المدارس وممارسة التفحيط وسط غياب الجهات الأمنية. فالتفحيط والمخدرات وجهان لعملة واحدة فقلما تجد مفحطاً غير متعاطٍ للمخدرات، وممارسة التفحيط هي مهنة من فشل فشلاً ذريعاً في إثبات نفسه، وقد وصلت هذه الظاهرة إلى أوجها من التخلف والعصبيات والنعرات القبلية التي هي من الجاهلية، مروراً بالاستخفاف بأنظمة المرور وللأسف هو أمر ملموس، بحيث وصل بنا الحال إلى القتل من خلال إطلاق الأعيرة النارية، وهل بعد القتل جريمة أشد؟ شخصيات ممارسي التفحيط ومشجعيه ما يقوم به المفحطون من تهور ومجازفة وإقدام باتجاه الموت دون خوف من عواقب أعمالهم يعود لأسباب توجد في شخصية المفحط وجماهيره، قال الأخصائي النفسي عبدالرحمن الشهري، إنَّ ما يقوم به المفحط ومشجعوه يأتي بسبب خلل في التنشئة التي اكتسبها من أسرته ومجتمعه؛ فتربيتهم للنشء بطرق إقصائية، وتحجيم آرائهم؛ ولَّد لدينا شباباً ذوي شخصيات مُعتلة، دفعت بهم إلى ممارسة التفحيط لتوجيه رسالة قوية لأسرته ومجتمعه تُفصِح عن قوته وقدراته الخارقة – كما يعتقد – بالإضافة لتعاطيه وترويجه للمخدرات والمنشطات، وكذلك انحرافه باتجاه الأفعال غير الأخلاقية – نسأل الله السلامة – وغالباً ما تكون أعمار فترة المراهقة هي من تقع في هذه الممارسات السيئة. وقادت إسهامات مشاهد مواقع التواصل للتفحيط والمفحطين، وإخراجها بطرق مبهرة جعلت منهم أبطالاً وشخصيات عظيمة في أعين النشء، إلى تطور ظاهرة التفحيط إلى ظاهرة ما تسمى ب"الدرباوية" التي بدت ذات صفات شخصية وسلوكيات وأخلاقيات أكثر انحرافاً وخطراً.