منذ بدأ الإسلام في الانتشار في أنحاء المعمورة على يد الفاتحين الأوائل اعترضته قوتان : قوة شرقية فارسية ، وأخرى غربية رومية ؛ حاولتا عبثا الحد من انتشار الإسلام واعتراضه ، لكن المسلمون تصدوا لهاتين الجبهتين ؛ فشاعت تعاليم هذا الدين العظيم التي جاءت بما تقبله الفطر السليمة والعقول الراجحة ، لكن ثمة جبهات جديدة صادمة ظهرت في عصرنا أربكت العلماء والمصلحين والدعاة والمنصفين . ولم يعد العدو أمامك وخلفك ، بل بات العدو بين صفوفك ، يعتقد باعتقادك ، ويدين بدينك وينتسب إلى رحمك والأسوأ أنه يتعبد الله بقتلك وينشد النصر بإراقة دمك ، زاعما أنك العدو الأول والعقبة الكؤود أمام الإسلام وأنك سبب الكفر و العصيان في هذا العالم !! من المؤسف أن هؤلاء الأعداء الجدد ليسوا من ألد الأعداء ولا هم بحديثي عهد بالإسلام ! بل إنهم أبناؤنا الذين تربوا في أرض التوحيد وتحت سماء المواعظ !! السؤال المؤلم الذي يجرح كبد الحقيقة كيف وصل العدو إلى عقول أبناؤنا ؟ وكيف جندهم لخدمته ؟ التأثير على أفكار ومعتقدات الأفراد لا يأتي بين عشية وضحاها إنها دراسات استخباراتية في كيفية استغلال مناهج التفكير المتعددة وتغيير مساراتها والسيطرة عليها ومن ثم توجيه سلوك أصحابها وتصرفاتهم في مصلحة العدو . إنها حرب الأفكار وهي حيلة مستحدثة من حيل الحروب تُوصِل العدو إلى مبتغاه من دون أن يبذل الكثير من الجهد بل تجعل الشعب المستهدف يدمر نفسه بنفسه وهي نتيجة لتوظيف العلوم الإنسانية في الحروب بعد أن كانت تستفيد من العلوم الطبيعية وحدها . والسبيل الأضمن لتحصين أبنائنا ضد حرب الأفكار هي الحصانة الفكرية . فبدلا من أن يلقن الطلاب العلوم والمعارف من دون فهم أو استيعاب أو نقد يُدربوا على طرق التفكير السليمة وكيفية استخدام الاستدلال المنطقي وتمحيص الأفكار ونقدها . وعدم الاستسلام للشبهات الفكرية التي تُلقى في مخيلتهم وسؤال المختصين عنها إذا لم يجدوا لها جواب مقنع . ومما أدى إلى استفحال الأمر أن أكثر ما يمنع المغرر بهم من الشباب والشابات عن السؤال هو الخوف من ردات أفعال أوليائهم أو معلميهم سواء بالاستهزاء بهم أو نعتهم بالتفكير فيما ليس له داع أو يمنعهم العناد والمكابرة وأنهم ذوو عقول مستقلة وقادرة على اصدار الأحكام بمفردها . وتبقى مسؤولية تحصين الشباب والشابات فكريا على عاتق الجميع من أباء وأمهات ومعلمين ومعلمات وكل من له علاقة بهم ، فمن الواجب فتح باب الحوار معهم ، والاستماع لهم ، وتفنيد الشبهات التي تثار في مواقع التواصل الاجتماعي ، واقناعهم بالأدلة العقلية والنقلية معا ، وتعليمهم كيفية النقد والرد الصحيح . بقلم : ريم محمد الغويري ماجستير في الثقافة الإسلامية .