«لا أحد يتحرك».. كلمة ظل صداها يتردد داخل رأس كل رفاق النقيب "عامر الرميح" الّذين كانوا معه، وبذلوا أسمى آيات التضحية في عملية كان هو قائدها، واستحق أن يكون مثلًا أعلى وقصة تُقرأ على القاصي والداني، لتؤكد أن هناك من يحمي الحق ويدافع عنه لينعم أبناء وطنه بالأمن والأمان. الغاية نبيلة سعى «الرميح» إلى غاية نبيلة لنيل رضا الله -جل وعز- والدفاع عن الوطن، وضحى تضحية اخترقت أهدافها الزمان والمكان، وسمت بعيدًا عن دوافع الشهرة وحب المديح، دون انتظار مقابل في الدنيا، فكيف إن كان القائد همه وطنه ورفاقه، فهذا اللون من التضحية أقرب إلى الصبر على البلاء، والثبات في المحن، وتلك مرتبة عالية ومنزلة سامية. مهمة سامية ففي الوقت الّذي كان يسير فيه النقيب عامر الرميح مع رفاقه بعد نجاحهم في تنفيذ عملية أمنية بكافة أركانها، واستطاع مع زملائه أن يستخلصوا جثة زميلهم من بين أنياب العدو ويعودوا أدراجهم، ولكن طريق الحق والانتصار صعب وشائك، ومن يخوضه لا ينتظر سوى تحقيق غايته مهما كانت النتائج. «الألغام» تعترض المهمة وهنا المفاجأة المحزنة والمفرحة في آن واحد معًا، أثناء سيرهم للعودة إلى موقعهم الرئيسي فوجئوا بوجودهم وسط حقل ألغام، فانفجر لغم في أحد رفاقه، وظل القائد يرفع معنويات زملائه ويردد: "لا أحد يتحرك"، ويوصيهم بالثبات ليكون نصيبه بعدها انفجار لغم آخر أفقده قدمه وكسر يده, وبقي بعدها يردد: "لا أحد يتحرك", فهو على الرغم من صعوبة ظروفه لم يكن همه سوى سلامة رفاقه ونجاح العملية الّتي ضحى بحياته من أجلها. من الدور السابع غرفة رقم 40 بالمستشفى العسكري بالرياض روى النقيب المظلي بالقوات البرية عامر الرميح تفاصيل العملية ل"تواصل" قائلًا: «بدأت مهمتنا الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء 6/ 6، عملية مكونة من 12 فرداً، وكنت قائد المجموعة، وتتمثل المهمة في انتشال جثة أحد الشهداء بين الحدود السعودية اليمنية، وبالتحديد أسفل جبل الفدنة، وبالفعل انتشلنا الجثة، ووضعناها على النقالة، وتحركنا للعودة باتجاه السعودية صعودًا لجبل الفدنة، والمسافة بعيدة ما يقارب ساعتين». وواصل حديثه: «عند بداية صعودنا للجبل غيّر المهندس الّذي يوجهنا للمواقع المسار لطريق أكثر اختصارًا، وبالفعل وجهت عناصر الحماية أن يتبعوا الطريق، وأخذت معي بعض ملابس زملائي حاملي الجثة ورداء الأمن والسلامة للتسهيل عليهم، فحرارة الجو مرتفعة، والشمس شديدة». انفجار لغم في زميل وأضاف: «بداية أول ربع من الجبل فوجئنا بدخولنا إلى حقل ألغام وضعها العدو، فلم نجد فرصة للخروج، وانفجر أول لغم مباشرةً في الزميل عطا الله الحويطي، فسقط وانبترت قدمه من الساق، فوقفت للشباب أردد: «لا أحد يتحرك، وكل واحد يبقى مكانه»؛ لأنهم ينوون مساعدة زميلهم وسط الألغام». «لغم يبتر قدمي» وأردف: «تحركت خطوة للأمام، فوقعت قدمي على حجر، وكان تحته لغم، وانفجر اللغم، وبتر قدمي اليمنى، وعند سقوطي كررت مرة أخرى: "لاأحد يتحرك"؛ حرصًا على البقية، أو أن نفقد أحداً منهم، والزميل عطا الله ردد معي نفس الشيء، وقال: سأتحمل على إصابتي لكن الزملاء لا يقتربون ويصابون». رحلة عودة عسيرة واستطرد: «في تلك الأثناء ربط بعض الزملاء قدم عطا الله، وساعدني البقية في ربط قدمي بشماغ لإيقاف النزيف، وتحركنا حبوًا لجهة نعتقد أنه ليس بها ألغام، وتواصلنا مع زملائنا، فهرعوا لمساندتنا، ومرة أحبو ومرة يحملوني على ظهورهم، أو أتعضد على أكتافهم، مع شدة الحر والرطوبة، وعند الساعة 10 صباحًا توقفنا في منتصف الجبل لأخذ قسط من الراحة، ثم واصلنا المسير، حتى وصلنا أعلى الجبل عند الواحدة والنصف ظهرًا». استقبال حافل و5 جراحات وتابع: «عند وصولنا كانت تنتظرنا العربة الّتي تقلنا إلى مستشفى الخوبة، وفي المستشفى قاموا بإجراءات إيقاف النزيف، وتنظيف الجرح، وإعطاء إبرة للشظايا، ومن ثم حولونا إلى مستشفى الرياض العسكري». وأردف: «وصلنا إلى هنا بحفاوة استقبال واهتمام كبير، بعد أن بُترت قدمي اليمنى أُجريت لي فيها خمس عمليات، وأُصبت أيضًا بكسر في يدي اليسرى، وأُجريت لي عملية واحدة، وجميعها في المستشفى العسكري». مؤازة المجتمع ترفع المعنويات وختم قائلًا: «أحمد ربي كثيرًا أن كانت إصابتي في أرض العزة والشرف أرض الرباط في سبيل الله، وأتمنى من شباب المجتمع أن يقوموا بعمل جدول لزيارة كل مصاب في الحد وفاءً لهم؛ لأن المصابين في غياب مجهول لدى بعضهم، غيابنا لحماية الدين والمقدسات والوطن، وأولًا رفع راية التوحيد، ولو وجد بعض الجنود المصابين قليلا من اهتمام المجتمع فقط زيارة وكلمات ترفع المعنويات فهي تعني للجنود الشيء الكثير». رواية «الرميح» جعلتنا نستذكر قصة الصحابي «زيد بن صوحان العبدي»، رضي الله عنه، والّذي أكدت الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة وسبقته يده بعد أن خسرها في موقعة جلولاء، ولحق جسده بيده عند استشهاده يوم الجمل.