الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: أعمال لا تنتهي، مسؤوليات تملأ أذهاننا ولا تستوعبها أوقاتنا، كلنا يسعى لينجز الكثير في وقت قصير ويقوم بواجبه تجاه دينه ونفسه ومن حوله، ولكن كثيراً ما نرى أنفسنا عاجزين وينقضي الوقت وما زالت جداول أعمالنا تتزاحم فيها تلك الأعمال والمهام. وكم نتعجب من سير الدعاة والعلماء كابن باز وابن عثيمين وابن جبرين _رحمهم الله_ لتلك الأعمال التي ينجزونها، ما بين إلقاء دروس ومحاضرات، ودعوة إلى الله ولقاءات، ونصح وتوجيهات، ومتابعة للأحداث وقيام بالواجبات وتفرغ للعبادات.. وتلك آثارهم نجوم تلمع في سمائنا لا تأفل ولا تخبو، يومهم هو يومنا، أربع وعشرون ساعة لا تزيد دقيقة واحدة، ولكنها تزيد بالبركة.. نعم أنها البركة من الله، بركة النية الخالصة والعمل الصالح يختص الله بهما من يشاء من عباده. ليس بالضرورة أن نكون علماء أو دعاة لتتحقق لنا تلك البركة أو نترك ذلك الأثر. * فكم هو مبارك من تعيّن معلماً في قرية نائية يخيّم الجهل عليها بظلامه، فشمّر عن ساعديه للدعوة إلى الله مبتدئاً بطلابه ثم بأهليهم، وسرعان ما تنقضي فترة إقامته ويستمر نور الدعوة من بعده ساطعاً مخلداً ذكراً طيباً وأجراً جارياً. * وكم هي مباركة من سكنت داراً جديدة وتوطّدت علاقتها بجاراتها فحوّلت مجالسهنّ إلى اجتماعات مباركة كانت سبباً في هداية من ترتادها. * وكم هو مبارك من سافر إلى الخارج للسياحة أو العلاج أو لأي سبب من الأسباب وحمل بين أمتعته كتباً ومنشورات عن الإسلام بلغة تلك البلاد ليهديها لمن حوله من جيران أو سائقين أو عمّال، فأكرمه الله ببشائر الهداية لمن شرح الله صدره للإسلام ولو بعد حين. * وكم هي مباركة من اشتكت إليها قريبة أو صديقة سوء حالها مع زوجها أو أبنائها أو بعض أقاربها فأوصتها بالصبر والاحتساب والدعاء مع بذل الأسباب، فحقق الله بنصحها لمّ الشمل وإصلاح الحال. * وكم هي مباركة تلك المعلمة التي جعلت من أولويات خطتها المنهجيّة حفظ طالباتها لسورة من القرآن أو لبعض الأذكار فأصبحن يرددنها آناء الليل وأطراف النهار. وتطول قائمة الأمثلة والشواهد لتلك البركة التي تجعل الوقت الضيق رحباً والعمل القليل كثيراً والجهد البسيط مضاعفاً، بل وتجعل للخطوات القصيرة شعاعاً ممتداً ينير مفترق الطرقات. فلتكن أيها القارئ الفطن مباركاً في حلك وترحالك كالغيث إن حللت كان لك نفعاً وخيراً وإن رحلت تركت بصمة وأثراً. وكن امرءاً إن أتوا بعده يقولون مرّ وهذا الأثر واستعن على ذلك بأن تُكثر في دعائك بأن يجعلك الله مباركاً أينما كنت آخذاً بالأسباب متوكلاً على العزيز الوّهاب. ختاماً جعلني الله وإياكم مباركين أينما كنّا.