أعطى الإسلام مجالا فسيحا للحريات, بمختلف أنواعها, ووضع لها سياجا يحميها من أن تؤذي صاحبها، أو تؤذي المتعاطين معه, من أبناء مجتمعه, وتحمي الحرية ذاتها من أن تنزلق إلى هاوية الشذوذ والانحراف, الذي يريدها موارد الهلاك. ولاشك أن مجال الكلمة, وحرية الرأي والتعبير, هو مجال فسيح, وضع له الإسلام سياجا بعيدا, بل وأعلى من شأن الكلمة التي تقال في وجه سلطان جائر, وجعل صاحبها في منزلة سيد الشهداء, كما شدد النكير على من يبخل بكلمته وبرأيه في موضع الاحتياج إلى تلك الكلمة, وذلك الرأي. ومجتمعنا المعاصر, شهد ثورة هائلة في مجال الإعلام, لاسيما, ما يسمى بالإعلام الرقمي, والذي يشمل صفحات الانترنت, ومواقع التواصل الاجتماعي, التي اقتحمت كل بيت, ولم يعد بمقدور أي دولة, أو حتى رب أسرة في منعها ووقف تدفقها. وهذه الآلة الإعلامية, شديدة التأثير, على الأوضاع السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية, والدينية, وشتى المجالات, قد يكون لها جوانب إيجابية, شأنها شأن أية أداة ووسيلة, أذا وظفت توظيفا صحيحا, كما يمكن أن يكون لها جوانبها السلبية شديدة الخطورة، على أمن الوطن والمواطن. ومن قبيل هذه الجوانب, السلبية, استخدام, هذه الوسائل, في تغيير البنية المجتمعية, حيث العادات والتقاليد, أو الثقافية, حيث الأفكار والمعتقدات, أو السياسية, حيث الأنظمة والمؤسسات, بصورة تخدم أجندات خارجية, لها مطامعها وأهدافها الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية. إن هذه الأدوات الإعلامية, باتت تستخدم على نطاق واسع, في فرض إرادة الدول الخارجية, على منطقتنا العربية, فيما يعرف بحروب الجيل الرابع, وهي حرب أمريكية صرفة, طورت من قبل الجيش الأمريكي, وعرفوها ب"الحرب اللا متماثلة" (Asymmetric Warfare), حيث المواجهة ليست بين جيوش متماثلة. وفي هذه الحروب، غير التقليدية, التي لا تطلق فيها طلقة رصاص واحدة, تستخدم وسائل الإعلام الجديد, والتقليدي, وما اصطلح على تسميته بمنظمات المجتمع المدني, والعمليات الاستخباراتية, والنفوذ الأمريكي في أي بلد لخدمة مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية. والحرب الجديدة, حسب تعريف أول من أطلقها في محاضرة علنية, وهو البروفيسور الأمريكي "ماكس مايوراينغ" في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، لها أهداف محددة, وهي، إفشال الدولة، زعزعة استقرار الدولة, ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية. هذا التصور الأمريكي, للحروب الجديدة, يفرض علينا كأمة, وكمجتمع، وكدولة, أن نضع خطوطا فاصلة, بين حرية الرأي والتعبير, وهي حرية مقدرة ويجب احترامها, وبين العمل لتحقيق الأجندة الأمريكية, وهو ما يجب أن نتنبه له, ونكشفه بوضوح, باعتباره قنطرة العبور للأجندات الغربية إلى وطننا. إنّ بعض بني جلدتنا هم أدوات تلك الحرب الجديدة, بأقلامهم المسمومة, وآرائهم التغريبية, وأفكارهم المخالفة لقيمنا, ولا يراودنا الشك أنهم, يفعلون ما يؤمرون, وهم على يقين, ومعرفة تامة, بطبيعة وأهداف تلك الحرب, على أمتهم, ولكنهم سادرون في غيهم, وعند هؤلاء يجب أن نضع الخطوط الفاصلة.