التجربة مع كثير من أبنائنا وبناتنا في هذه الفترة تؤكد أنَّ هنالك ما يمكن أن نسميه قطيعةً بينهم وبين الثقافة الجادة التي تنمّي الذات وتطوِّر الشخصية تطويراً بناءً، وأن هنالك حاجزاً من عدم الاهتمام بتراث أمتنا وتاريخها وشخصياتها التاريخية ذات الأثر الكبير في بناء مجد الأمة المسلمة عبر عصور التاريخ، يقابل ذلك اهتمام كبير من هؤلاء الأبناء والبنات بثقافة هشَّة تنشرها الوسائل المختلفة التي يَعجُّ بها هذا العصر وأصبحت تموج بأهله موجاً في كل ناحية، وما عليك إلا أن تجمع عدداً من أفراد عائلتك وأقاربك الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والخامسة عشرة ثم تناقشهم وتتداول معهم أطراف الحديث، فإنك ستضع يدك على الجرح الحقيقي في ثقافة هذا الجيل الصاعد وفي معرفته وعلاقته بلغته الأمّ. أسجل هذه الكلمات بعد أن تبين لي من خلال التجربة التي حدثني عنها آباء وأمهات ومربون ومربيات أننا أمام مشكلة تربوية كبيرة، لا يزال كثير من (المعنيين بالأمر) غافلين عنها، أو غير آبهين بها، ولا مقدرين ما تنطوي عليه من الخطورة على المجتمع والوطن والأمة في المستقبل القريب. يقول (جوبلز) المسؤول الإعلامي النازي: إذا أردت القضاء على شعب فلا بد أن تقضي أولاً على تراثه وتاريخه وحكاياته، وأن تضع له ثقافة بديلة لثقافته الأصلية لأنك بهذا تستطيع أن تهيئ نفسه لقبول ما تُملي عليه من القيم والأخلاق والأفكار. وهذا القول لجوبلز هو القاعدة التي تنطلق منها دول الاحتلال في التوطئة لسيطرتها على البلاد التي تريد الاستيلاء على ما فيها من خيرات. إن بعض الآباء والمربين لا يلتفت إلى هذه المسألة بعناية واهتمام، ولا ينظر إلى الآثار السلبية المدمرة التي تنتج عنها، وفي المجتمع نماذج من هذا الصنف الذي يغفل عن دوره التربوي في بناء الأجيال التي ينتظرها المستقبل، وكثيراً ما يردد هؤلاء المتغافلون عن دورهم التربوي كلمات (ما يزال صغيراً، إذا كبر يتعلم، تعلِّمه الحياة، لا أريد تعقيده من الصغر، صغير لا يفهم) وما شابهها من عبارات تدل على الغفلة وعدم الوعي بالتربية الصحيحة للأجيال. إن الأسرة هي المحضن الأول الذي يجب أن يقوم بدوره الكبير في علاج هذا المرض الخطير الذي يجتاح أجيالنا الصاعدة، ولا بد من الالتفات إلى هذا الدور الذي لا يجوز التهاون به شرعاً، ولا يصح إهماله عُرفاً ولا عقلاً. إن ربط الأجيال الصاعدة بتراث أمتها وتاريخها وقيمها ربطاً عملياً قوياً مهمة إسلامية، ومسؤولية وطنية، ستكون خسارتنا كبيرة إن أهملناها، وقصَّرنا فيها. إذا أردت معرفة مستقبل أمة فانظر إلى شخصيات أطفالها اليوم.