تتراوح مفاهيم الغرب عن الأخلاق بين المثالية اللفظية والنسبية العملية, فهو تارة يميل إلى الأولى, وتارة أخرى يذهب إلى الثانية, على حسب ما يقتضيه الموقف, أو تمليه ظروف الحدث, أو يفرضه نوع الشخص، أو الدولة، أو الكيان الذي يتعامل معه الغربي, شخصاً كان أو دولة. فهو يستدعي المثالية الأخلاقية في خطاباته، وكلماته، وتعاملاته الإعلامية, حيث المنظومة الإعلامية الغربية تركز في الأذهان والشعور أن الكائن الغربي هو الكائن "السوبر", في كل شيء, في منظومته الحياتية وفي أخلاقه وتصرفاته, بل وفي نوعية طعامه وشرابه! على سبيل المثال, ننظر إلى التصريحات التي يطلقها ساسة الغرب, عن الحرية والديموقراطية, وحقوق الإنسان, وغير ذلك من المثاليات والقيم الأخلاقية العالية, التي بات يحتكرها في خطابه باعتبارها مفردات أخلاقية يصدرها إلى العالم الآخر الذي لا علم له بهذه الأخلاق والقيم!! فساسة الغرب, وغالب مفكريه, يتحدثون صراحة أو كناية عن نهاية التاريخ, بظهور الرجل الأبيض, الذي جُمعت فيه كل الفضائل, من أخلاق، وعلم، وقوة، وحضارة، وتقدم, فيما يلهث الآخرون وراءه! ثم تراه هو نفسه يستدعي النسبية الأخلاقية؛ أي التعامل ببعض هذه المصطلحات واتخاذها شعاراً حينما يجد مصلحته في ذلك, وهو ذاته الذي يركلها بقدميه, متى وجدها تتعارض مع تلك المصالح, سياسية كانت أو اقتصادية, أو غير ذلك, والواقع خير برهان.. فتحت عناوين براقة, ومصطلحات أخلاقية راقية, مثل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين, ووقف انتهاكات حقوق الإنسان, تتدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية في أكثر من دولة من دول العالم, حينما تستدعي مصلحتها السياسية ذلك, العراق وأفغانستان مثالاً, أما إذا كانت المصلحة في اتجاه آخر صوبت الأخلاق الغربية وجهها تجاه تلك المصلحة, وخذ فلسطين مثالاً على ذلك. ومن النسبية الأخلاقية كذلك, تعامله مع الجنس الغربي على اعتبار أنه الجنس الوحيد على ظهر الأرض الذي يستحق أن يُعامل بمثل هذه الأخلاقيات والمثل, وما عداه فهو درجة من البشرية متدنية, لا تستحق مثل هذه المعاملة, بل يكون لها لون خاص في التعامل. وخذ على ذلك مثالاً, فالإنسان الغربي, مهما بلغت جرائمه, يعامل وفق قوانين غربية تضمن له كافة حقوقه الإنسانية والمعاملة الراقية, أما إذا توجهت أصابع الاتهام إلى عربي أو مسلم, فكل شيء مباح, ونظرة إلى سجن "جوانتانامو" تصدق ذلك كله, فهو سجن خارج عن نطاق القانون, إلا قانون الغاب والقرون الوسطى… والتجسس على العرب والمسلمين مباح, أما الغربي فله حقوق مصونة محفوظة! إن هذه الازدواجية في النظر للقيم والأخلاق لهي من ركائز الحياة الغربية الفكرية والحضارية, وهي بالمناسبة ليست فقط متعلِّقةً بالقضايا السياسية, بل هي منظومة حاكمة لهذا الكائن "السوبر أخلاقي" في كافة المجالات الإنسانية.