تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، كان من ذوي الأثر الطيب والتأثير الملموس لغزارة علمه وحسن أسلوبه وقدرته على إيصال المعلومة وبشاشته وسماحته، إنه فضيلة الشيخ "صالح بن عبد الرحمن الحصين" الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي سابقاً عضو هيئة كبار العلماء وعضو المجلس الرئاسي لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، مساء اليوم السبت بعد رحلة طويلة من العطاء. والشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين الناصري التميمي – رحمه الله- من مواليد المملكة العربية السعودية، محافظة شقراء عام 1351 ه ودرس الابتدائية بها عام 1364ه، ثم انتقل للدراسة بدار التوحيد بالطائف ومكث فيها من عام 1366ه إلى عام 1370ه، ثم انتقل إلى مكةالمكرمة حيث أكمل دراسته الجامعية بكلية الشريعة بمكةالمكرمة ثم حصل على ماجستير في الدراسات القانونية من جامعة القاهرة بمصر، ودرس بها من عام 1371 ه إلى عام 1374 ه، عمل مدرسا بالمرحلة الابتدائية وذلك عام 1368ه كما عمل مدرسا بمعهد الرياض العلمي عام 1373 ه واستمر به إلى عام 1375 ه. بعد ذلك عين مستشاراً قانونيا بوزارة المالية والاقتصاد الوطني في الفترة من 1380ه إلى عام 1391ه، وعين بعدها وزيراً للدولة وعضوا في مجلس الوزراء من عام 1391ه إلى عام 1394ه، ثم أحيل إلى التقاعد إلى أن عين رئيسا عاما لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير في ذي الحجة عام 1422 ه. وفي عام 1424ه اختاره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد رئيسا لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. كما فاز معالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين – رحمه الله- بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام في دورتها التاسعة والعشرين حيث نال الجائزة مناصفة مع الشيخ يوسف الحجى الكويتي الجنسية، وكان الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزارء قد أعلن عن منح الشيخ صالح الحصيِّن الجائزة "تقديراً لدوره البارز في الدعوة الإسلامية وأعمال البر، والحرص على الوسطية في المجتمع الإسلامي". وله بحوث رصينة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقدرته على استيعاب تطورات الاقتصاد العالمي الحديث. كما أنه مهتم بالعمل الخيري والإنساني على المستوى المحلي والدولي, ولديه مشاركة فاعلة فيه خاصة من خلال عضويته في مؤسسة الوقف الإسلامي، وكان من أكثر المساندين للعمل والحرص على تسديد مسيرته وتصويب أخطائه وتحسين أدائه، ومن عادة الشيخ صالح النفور من كل مظهر فيه بروز أو تكلف, بل الغالب عليه هو إنكار الذات واستصغار ما يعمل. كما أن استشهادات الشيخ "الحصين" – رحمه الله- في محاضراته تدهش مستمعيه فهو يأخذ من الغرب ما يدعم الحكمة، وينتقد بلطف مفحم. ومن مقولاته الشهيرة حول ذلك: "ربما يكون ريتشارد نيكسون أذكى رئيس أمريكي في العقود الأخيرة وأكثرهم حنكة سياسية وأوسعهم ثقافة قد نشر كتاباً قبل وفاته بأسبوعين، قال فيه إن الإسلام عقيدة قوية لأنه يستجيب لحاجات الروح وليس لحاجات الجسم فقط، والعلمانية في الغرب لا تستطيع أن تغالبه، وكذلك العلمانية في العالم الإسلامي، وإن حقيقة أننا أغنى وأقوى دولة في التاريخ هذا لا يكفي، ما سوف يكون حاسماً هو قوة الأفكار العظيمة". ولا يستغرب الشيخ انبهار الناس بالحضارة الغربية المعاصرة، قائلاً: "فيها فعلاً ما يبرر هذا الانبهار، لكن الكثير يغفل عن الجانب المظلم فيها لدرجة أن البعض منهم قد اهتزت ثقتهم بالإسلام والعياذ بالله، فيجب أن تكون مهمتنا هي كيف نرفع ثقة المسلمين بالإسلام؟". وفي كلمته التي ألقاها ارتجاليا أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الديوان الملكي بقصر اليمامة عند استقبال الملك أعضاء الهيئة الرئاسية بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني برئاسة معاليه، تحدث عن قضية عمل المرأة حيث أشار إلى أنه يوجد اتجاهان في هذا الشأن، الاتجاه الأول أن أسمى وأنبل عمل للمرأة هو عملها الأساسي في المنزل وأنها إذا عملت خارج المنزل فإن الدافع والمبرر لعملها هو الحاجة وعلى المجتمع أن يعتبر ذلك تضحية من المرأة وأن يعمل على أن يحرر المرأة من هذه الحاجة أو تقليل تأثير عملها خارج المنزل على عملها النبيل الأساسي راعية أسرة، والاتجاه الثاني يرى أن عمل المرأة ليس الدافع والمبرر له الحاجة إنما هو الاختيار بدافع محاولة تحقيق ذاتها بالعمل واستقلال إرادتها وتحررها من التبعية للرجل وتحقيقها المساواة معه . وأفاد معالي الشيخ صالح الحصين أن العالم مر بتجربتين مهمتين تتحيزان للاتجاه الثاني الأولى منهما تجربة الثورة الشيوعية عندما أطلق لينين شعاره المشهور أن المجتمع لا يمكن أن يتقدم ونصف أفراده في المطبخ وحقق النظام مساواة المرأة بالرجل في العمل واستمرت هذه التجربة حوالي سبعين سنة عندما انهار النظام الشيوعي وأعلن زعيم إعادة البناء أن المساواة بين الرجل والمرأة في العمل تحققت ولكن هناك عجز في مزاولة المرأة لدورها كأم وربة منزل ووظيفتها التربوية لا غنى عنها وأن كثيراً من المشاكل التي يواجهها الشباب في سلوكهم أو ثقافتهم أو في إنتاجهم يعود نتيجة لهذه السياسة في المساواة في العمل بين الرجل والمرأة. والتجربة الثانية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية الستينات من القرن الثاني حيث الحركة النسوية التي اتخذت شعار المساواة التامة بين الرجل والمرأة ولكن بعد أربعة عقود وفي عام 2005م أجريت دراسة أظهرت أن نصف النساء من الأكثر امتيازات والأرقى تعليماً اخترن العودة إلى البيت والعمل كربات بيوت وعززت هذه الدراسة دراسات أخرى كثيرة، واستعرض معاليه عدداً من التجارب والإحصاءات وخلص إلى أن هذه التجربة أظهرت أن الإنسان عندما يحاول بطيشه وجهله أن يعارض أو يصادم قوانين الطبيعة فإنه في النهاية يهزم أمامها. وقال عنه الشيخ د. صالح بن سليمان الوهيبي التميمي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي: أما الشيخ صالح الحصين فيأنس به المرء عالما بصيرا بشؤون الفكر الإسلامي عامة وفي مجال الاقتصاد والتشريع بشكل عام وهو مكب على كتابة بحوث في هذا المجال على الرغم من كثرة ارتباطاته، ومن تواضعه أنه إذا كتب بحثا أرسله إلى عدة أناس لقراءته وتصويبه والإضافة إليه. ويقول معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عن الشيخ "الحصين" – رحمه الله-: "هو شيخ هُمام، وعَلَم من كبار الأعلام، كريم الأخلاق بسَّام، لقد قدم شيخنا لدينه وولاة أمره وبلاده أعمالاً جليلة، تزيد على نصف قرن من الزمان، فكان فيها مثالاً للعطاء المتدفق". وعندما أعفي الشيخ "الحصين" – رحمه الله- من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تقديراً من القيادة لطلبه خصص المغردون على موقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر" وسماً خاصاً به تقديراً له، وقال أحدهم: "الشيخ الحصين علم الجيل أنه بإمكانك أن تكون من أزهد الناس، وأنت تتقلد لقب (معالي)". رحم الله فضيلة الشيخ (الحصين) رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته….