التقى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مع خطباء مدينة الرياض الليلة الماضية بقاعة الاجتماعات بفرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالرياض، حيث ألقى سماحته محاضرة بعنوان : (واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية) بحضور المدير العام لفرع الوزارة بالرياض الشيخ عبدالله بن مفلح آل مفلح . واستهل سماحته المحاضرة بحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وعلى صحابته أجمعين وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين , وشكر الله على فضله وأنعامه . وأكد سماحته أن الواجب على الجميع التعاون والتناصح وتدارك الأخطاء والسعي فيما يصلح وفيما يعين على أداء الواجب، مبيناً أن المنبر شرف عظيم وفضل كبير صعده وعلاه سيد ولد آدم على الإطلاق محمد – صلى الله عليه وسلم , ومشدداً على أن من أنيطت به مسؤولية المنبر فليحمد الله على هذه النعمة، وليعلم أنه أوهب لخير كثير ومُكّن من عمل فاضل، وشرف في الدنيا والآخرة مع حسن النية والقصد، قال الله – جل وعلا – :{والذين يقولون ربنا هب لنا من أزوجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}. واستطرد سماحته قائلاً: يا خطيب المسجد ما أعظم من شرف أن تصعد المنبر كل جمعة تستقبل المأمومين ويستقبلونك يصغون لما تقول، ويعون ما تقول، وينتفعون بما تقول، ويتأثرون بما تقول، وأنت قدوتهم، وأنت إمامهم، وأنت موجههم، وأنت معلمهم، وأنت مرشدهم، وأنت الهادي لهم إلى الخير بعد توفيق الله تعالى، وأنت الآخذ بناصيتهم لما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، مبيناً سماحته أن هذه الوظيفة وظيفة شريفه، ومنزلتك منزلة عظيمة لو تدبرتها وتعقلتها لعلمت شرفها وفضلها . ومضى سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يقول: إن هذا المنبر صعده محمد بن عبدالله، وصعده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وخيار الأمة من أئمة المسلمين وقادتهم إلى هذا اليوم، وهو منبر شريف ومهنة عظيمة لو تدبرها الإنسان حق التدبر لحمد الله آناء الليل وأطراف النهار، وشكر الله عليها، وعلم أنها نعمة ساقها الله إليه، لأنك تدعو إلى الله ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبع بدعوته إلى يوم القيامة فافرح بهذه النعمة، واشكر الله عليها، وكن شاكرا لله ذاكرا، ومثنيا على الله بما هو أهله أن وفقك لهذا العمل العظيم، وجعلك من أئمة المسلمين ممن يقتدى بهم وملزما بالحق والاستماع لقولك ؛ ليصغوا إليك , وإلى توجيهك، وإلى نصيحتك، وإلى ما تأمرهم به، وإلى ما تنهاهم عنه، فما أعظمها من نعمة، وما أجله من شرف لمن تدبر وتعقل. وبين سماحة مفتى عام المملكة أن الجوامع كانت قليلة في هذه البلاد التي ترونها منذ خمسين سنة لم يكن فيه إلا عدة جوامع نحصيها بأيدنا والآن كما يقولون ما يزيد على ألف وسبعمائة جامع هذه من نعم الله على المسلمين، ومن نعم الله على المسلمين حرصهم الأكيد على الجمعة، ورغبتهم فيها، وتنافسهم عليها وكل الهجر والقرى، والكل يبحث عن جامع، والكل يحرص أن تقام الجمعة عنده، وهذه من نعم الله على المسلمين وجود الجوامع وخطباءها، كما أن من نعم الله انك إذا استمعت للمؤذن لصلاة الفجر في وقت الهدوء وسمعت أصوات المؤذنين ثم أصوات القراء، حمدت الله على هذه النعمة وعرفت أنها من فضل الله على المسلمين أن يعلوا صوت الحق وأن يوم الجمعة يؤم المسلمون المساجد إذ تمتليء المساجد ومعظم الجوامع ممتلئة . وتناول سماحة مفتى عام المملكة – في سياق محاضرته – مسألة كيفية معالجة الخطيب قضية الإرهاب، وكيف يعالج الأمن الفكري وكيف يتحدث عن ذلك، قائلاً: إن الجمعة تجمع الجميع، وأن الهدف من الخطبة هو الإصلاح والاستصلاح، الهدف والغاية من الخطبة أن يكون الخطيب يؤدي غرضاً، ويحقق هدفاً، وينصح ويزيل منكراً، ويعلي حقاً، ويدعو إلى معروف، وينهى عن منكر، ويحبب الناس في الإسلام ويحبب الخير والأعمال الصالحة، ويحذرهم من الشر والفساد. وفي السياق نفسه، قال سماحته: نحن في هذا الزمن بُلينا بهذه التيارات المنجرفة هذه التيارات الضالة الهدامة التي أحيانا تلبس ثوب التقى والصلاح، والله أعلم بما في داخلها، والله يعلم المفسد من المصلح، لكنها تلبس رداء الخير وفي باطن أمرها شر وبلاء على الأمة، وتهديد لكيانها، واستباحة لدماء الأبرياء، وتدمير للمتلكات، وسعي في الأرض فساداً، مشدداً سماحته على أن دين الإسلام الحق جرّم الإرهاب بكل صوره، وحرمه على اختلاف جهاته، ذلك الإرهاب العدواني الظالم الذي حقيقته سفك دماء الأبرياء المسلمين بغير حق، أو المؤتمنين والمعاهدين بغير حق، والله يقول : { من يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدا له عذاباً عظيما }، وفي الحديث : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة). وأشار سماحته إلى كيفية معالجة هذا البلاء وقال: لاشك أن العلاج إنما يكون بعد تصور أسبابه ودواعيه، فإذا نظرنا أولا إلى الغلو، فالغلوا كما تعلمون أنه محرم في شريعة الله، وهو الزيادة في الأشياء، والخروج بها عن المنهج الشرعي والطغيان فيها، لأن الله تعالى يقول : { فأستقم كما أُمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير}، والطغيان هو الغلو الشديد الذي فََهم النصوص على غير مرادها، وطبقوها على غير مدلولها، فلاشك أن الغلو قضية خطيرة يعالجها الخطيب بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ويحذر من الغلو، ويدعو إلى الاتزان والوسطية، والاعتدال، وسلوك الطريق المستقيم، قال تعالى : { إهدنا الصراط المستقيم } . واستطرد سماحته قائلاً: فإذا نظرنا إلى الغلو جاء نظرنا أيضاً إلى ما في الشريعة من الرحمة والتسامح، وسلوك طريق الخير الذي يوصل الناس إلى النفع، ويتذكر أن دين الإسلام دين رحمة وإحسان، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – إنما بعث رحمة للعالمين، قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }، أنه رحمة للخلق كلهم المؤمنين به، والكافرين به، فالمؤمنين به رحمهم ربهم بأن هداهم للإسلام، ومكن الإيمان في قلوبهم، قال تعالى :{ ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون }، ورحم من لم يؤمن به بأن حقن دمائهم، وحفظ أموالهم وأعراضهم، وعاشوا تحت ظل عدالة الإسلام في أمن واطمئنان لمّا التزموا عهود الإسلام وخضعوا لأحكامه . وأضاف سماحته ثم ينظر الخطيب أيضا إلى قضية أخرى أن من أسباب ذلك الخروج على أئمة الأمة، وخلع بيعتهم، واعتقاد بعضهم أنه لا بيعة في عنقه، وأنه غير مسؤول، وهذا خطأ، فإن الأمة المسلمة جميعها يد واحدة قادتهم وكبراؤهم وعقلاؤهم يمثلونهم في كل الأمور، فبيعة الإمام بيعة ثابتة في أعناق الأمة يجب الوفاء بها حق الوفاء، ويحرم الإخلال بها، والانتقاص منها، والتشكيك فيها، لأن هذا يفتح على الناس أبواب الشر والبلاء على مصراعيه، ثم أيضا ننظر إلى أن هذا الإرهاب فيه شذوذ عن جماعة المسلمين وخروج عن جماعة المسلمين لأن هذه الفئات لا تكاد أن تعلم لها مصدرا معينا تأتيك بأساليب مختلفة وطرق ملتوية شاذة عن جماعة المسلمين ولشذوذها وخروجها عن المنهج تنوعت أسماؤها، وتنوعت صفاتها، ولها في كل يوم إسم وعنوان لم يكن في اليوم الماضي، وذلك لأنها شر وبلاء يراد بالأمة فلابد من فطنة وانتباه. وأوضح سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن الخطيب إذا خطب وتحدث يوم جمعة ما عن وجوب طاعة ولي الأمر وساق الأدلة من كتاب الله في وجوب طاعة ولى الأمر : قال الله تعالى: { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم }، وساق السنة في وجوب التزام البيعة، وأن من خرج على المسلمين وعلى إمامهم، وجب أن يقتل كائناً من كان، حتى يُحسم الشر، ولا يفتح للغوغاء وهذه الفتن، لأن الغوغاء لا تنفع، بل هي الضرر المحض، ولهذا النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: ( وإذا وضع السيف على أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة)، وضع السيف على الأمة لما استباح الخوارج الظالمون المارقون دماء إمام وخليفة المسلمين خليفة رسول الله عثمان بن عفان استحلوا دمه ظلما وعدواناً، والله يعلم، والناس يعلمون أنه في زمنه اتقى خلق الله، وأصلح خلق الله، وخير خلق الله في زمنه لكن الأعداء تغاضوا عن فضائله وتناسوا فضائله وأعماله الطيبة، وحاولوا القدح في الخلافة بالقدح بالولاة، وأنتشر خطباؤهم ودعاتهم يثيرون الحماس بأقوال باطلة، وأكاذيب مفتراة ضد هذا الخليفة الراشد العادل إلى أن أطبقوا عليه وسفكوا دمه ظلما وعدوانا وإجراما سفكوا دم إمام من أئمة الإسلام خليفة المسلمين الراشد بلا حق، بل ظلماً وعدواناً واعتداء دليل على فساد النية وفساد الطوية، وأن المنطلق لم يكن منطلقا إصلاحيا لكنه منطلق شر منطلقا خبيثا ضالاً . وأبان سماحته أن الخطيب يدعو الأمة لطاعة ولي الأمر وتبيين فضائل ولاة الأمور، وأن الله – جل وعلا – يقيمهم شرعا، ويردع بهم الظلم يحفظ بهم الثغور، ويقيم الحدود وتأمن الأمة على دينها واقتصادها وخيرها، يأمن الناس على دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، ومحارمهم، ويعيشون حياة طيبة، فطاعة ولى الأمر سبب للخير كله وعصيانه والتمرد عليه – نسال الله العافية – هو الذي يحي البلاء والشر ولما وفق الله قيادتنا على هذا الانتظام العظيم عشنا في هذه النعمة العظيمة نسأل الله أن يوفقهم جميعا لما يحب ويرضاه. وفي ختام محاضرته، شكر سماحته المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وعلى رأسهم معالي وزيرها الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ على جهودهم في الدعوة إلى الله والعناية بكل ما يهم أمور الأئمة والخطباء، سائلاً الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لما يحبه ويرضاه، وأن يمن عليه بالصحة والعافية والسلامة،وأن يرجعه سالماً معافاً. بعد ذلك أجاب سماحته على استفسارات وأسئلة أئمة وخطباء جوامع الرياض . وكان الشيخ عبدالله بن مفلح آل حامد المدير العام لفرع الوزارة في منطقة الرياض قد ألقى كلمة في بداية لقاء سماحة المفتي بالخطباء رحب فيها باسم الوزارة ومنسوبيها بسماحة مفتى عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ لتفضله بتوجيه نصائحه وإرشاداته من خلال هذه المحاضرة المهمة التي يعد موضوعها من الموضوعات المهمة التي تحتاج إلى زيادة إسهامات الأئمة والخطباء في توجيه المواطنين والمقيمين لما يفيدهم ويسهم في جهود الدولة لبيان الحق ورد المشتبهات، وهو من واجب الخطيب في بيان خطر الإرهاب والغلو والانحرافات الفكرية، ويقوم على ثلاثة عناصر هي : الأول بيان خطر الإرهاب الذي لمسنا آثاره السيئة على بلادنا وعقيدتنا، والثاني : يتعلق بالغلو والتنطع في الدين والذي نتج عنه البغي وإزهاق الأنفس المعصومة والإفساد التي أمر بها ديننا الحنيف، والعنصر الثالث : بيان خطر الانحرافات الفكرية التي سهلت لها وسائل الاتصال الحديثة الانتشار . وأكد الشيخ آل حامد أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بتوجيهات وزيرها الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حريصة كل الحرص على القيام بواجبها الدعوي المهم، حيث أن الخطباء لهم دور فاعل ومهم في توعية الناس وبيان ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم، سائلاً الله تعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما يحبه ويرضاه .