أوصى معالي إمام وخطيب المسجد الحرام؛ الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، المسلمين بتقوى الله حَقَّ تقَاته، التي هي أعظم مِصْداق، وأقوى مِيثاق، مَنِ اسْتَعْصَمَ بها فازَ وفَاق، وحَازَ من البِرِّ والخَيرَات أنْفَسَ الأطواق "وَمَنْ يطِعِ اللَّهَ وَرَسولَه وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأولَئِكَ هم الْفَائِزونَ". وقال في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: كل قضية إلى امِّحاء وطموس، وكل أمر إلى نسيان ودروس، وكل باطل لا محالة إلى انْدِحَارٍ ونكوص، ولكن دين الإسلام الرباني العالمي حياة الأرواح والنفوس،إلى إباء وشموس، وسيرة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، في انتصار وائتلاق، وانتشار وانطلاق "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ". وأضاف "والأمة الإسلامية المباركة، إنما تسنَّمت قِمم السؤدد والإباء، وساقت الإنسانية إلى مَرابِع الحضارة والعلياء، وأفياء الأمن والإخاء، أوان استعصامها بالوحيين الشريفين، وإبَّان كان مفْعَم روحها، ومسْتولَى مشاعرها سيرة نبيِّها الغَراء، وشمائله الفيحاء. وأردف: ويوم أن تنكَّبت أمة الاتحاد، والقوة والإنجاد عن ذلك الهدي الرباني الرقراق، فاءت إلى يباب التبعيَّة والوَهَنْ، وصارت والتنافر والتناثر في قَرَنْ والْتَأَمَتْ مع الأسى الممِضِّ، على الشتات والانبتات، والله المستعان". وأوضح أنه منذ ما يربو عن أربعةِ عشَر قرنا من بعثة سيِّد الأنبياء، عليه الصلاة والسلام، وسيرته المونقة البلجاء، تعطر الأقطار والأرجاء بما انهمرت به من حقائق المهابة والجمال، والخشية والجلال، والحكمة المجَلِّية في الأقوال والفعال، لأنها المكنز التاريخي، والمنهل الحضاري، والمنهاج العلمي، والمعراج العملي، الذي يبَوِّئ الأمة السؤدد والمهابة، والتوفيق والإصابة، أليست هي سيرة الحبيب المصطفى والخاتم المقتفى صلى الله عليه وآله وسلم ما ذرَّ شارق، وحنَّ إلى إلفه المفارق، رسول الملِك العلاَّم، وحامل ألوية العدل والسلام، مَن هدى البشرية من الضلالة، وعلَّمها من الجهالة، وانتحى بها قمم الرفعة والجلالة، نبيّ المعجزات، وآخذنا عن النار بالحجزات، أمنّ الناس على كل مسلم ومسلمة، وأحقِّهم نقلا وعقلا بالمحبة الوادقة، والطاعة الصادقة، يقول: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. "أخرجه الشيخان". وأكد الشيخ السديس أن هذه هي المحبة المفضية إلى أصل الطاعة والتسليم، الذي دلَّ عليه قول المولى الكريم "فَلا وَرَبِّكَ لا يؤْمِنونَ حَتَّى يحَكِّموكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهمْ ثمَّ لا يَجِدوا فِي أَنْفسِهِم ْحَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيسَلِّموا تَسْلِيما"ً. فصلوات وتسليمات عليه تترا أبداً دائماً إلى الدين يقول "إنما أنا رحمة مهداة" أخرجه البخاري الله أكبر، يا له من نبي ما أعظمه، ومن رسول ما أكرمه. وقال معالي إمام المسجد الحرام: "إنه مع كل الجلاء، في سيرة خير الورى والبهاء، لا يَنْفَكّ أفاكلة الشقاق ودهماء الآفاق، ينشرون أباطيلهم وحقدهم الأرعن، عبر الحملات والشبكات، حيال الجناب المحمديِّ الأطهر، وهديه الأزهر، ولكن بَلْسَمنا وسَلَوَانا، قول مولانا، "إِنَّ شَانِئَكَ هوَ الْأَبْتَر" وقد علموا يقينا قاطعا، أن النبي الأمي الكريم بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه قد جاء للبشرية بأسمى الآداب الخلقية، وأدق الحقائق الكونية، وأرقى النظم الاجتماعية، وأزكى الشرائع التعبدية قال الحق سبحانه: "وَجَحَدوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفسهمْ ظلْماً وَعلوّا ًفَانْظرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمفْسِدِين"َ. وأضاف: وإذ كانت المآسي تلفح وجه الأمة في كل شبر ووادٍ، من كل باغ وعاد، وخصوصاً في أرض الشام، من قبل من فاقوا جَوْر عَاد، فإنه لزاما على الأمة، وقد رثَّ حبل صلتها بهذه السيرة الهادية أو كاد، ولم نلْق لها فَهْماً وبالا، فجر ذلك تِرة ووبالا، لزم الأمَّة وبكل الوسائل التقانية والفضائية، أن نثني إلى السيرة النبوية في شمول وعمق، وأن تكون أشد تعلقا بنبيها وسنته، عليه الصلاة والسلام، تأسِّيا وفهما واستبصارا، وسلوكا وفكرا واعتبارا، لتنتشل نفسها من هوَّة العجز والهون الواضح، والتمزق والانحدار الفاضح، التي منِيَت بها في هذه الآونة العصيبة القَلِقة". ولْنعلنها مدوِّية خفَّاقة، وشجىً في اللهوات المغرضة الأفاكة، أن السيرة النبوية، والسّنة السَّنية، على صاحبها أزكى السلام والتحية، هما مناط العِزِّ والنصر، وأجلى لغات العصر التي تؤصِّل للأمة الفَوقيَّة والتمكين، نعم يا أمة عزت بأعظم سيرة، وقادت بأكرم مسيرة". وأكد الدكتور السديس أنه لابد من بعث السيرة المشرقة، وإحياء معانيها ومراميها، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" أخرجه البخاري في الأدب المفرد. وقد أتمها عليه الصلاة والسلام، بَل لابد للأمم من استشعار الأخلاق المحمدية في سياساتها، وفكرها، وثقافاتها، وطموحاتها، وعلاقاتها، وحواراتها، واقتصادياتها؛ لأنها الخِرِّيت الحادي، والمرشد الأمين الهادي، قال جل اسمه "وَإِنْ تطِيعوه تَهْتَدوا". وبين معاليه أن أمة السيرة والسّنة ونظير التحقق بالسيرة الزكية، التمسك بالسّنة السَّنية، والذب عن حياضها، والرتوع مظهرا وجوهرا في رياضها، والنهل بالفهم السديد من سلسال غياضها. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لن تترجم نوابض الحب والإحساس، ومقاصد الأنفاس في اتباع خير الناس عليه الصلاة والسلام، إلا بالوقوف عند هديه وسنَّته، والاقتباس من مشكاة سِيرته، فأنّى وعلام، وكيف وحتّام يكون الهدي النبويِّ المكين، مدى الأعمار والسِّنين، قَصْرا على محدثَاتٍ ومخالفَات، في ليال وأيام معدودات، وانبتات عن مَعِين السّنة البلجاء أيِّ انْبِتات. وقال: ليت شِعْرِي إنه الحبّ الهباء الأخف، وفي الموازين هو الأطف. وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن مقتضى محبة المصطفى محبة آل بيته الأطهار، وصحابته الميامين الأبرار، فحبهم جواز على الصراط، ومورث للتقوى والاغتباط، قال في حقهم وقدرهم "لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، ومن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله"، فمن تطاول عليهم وافترى فقد ظلم واجترى وجاء بأعظم الفرا. وأضاف معاليه: يؤكد في هذا السياق، على تزكية الشباب والفتيات، في مسيرتهم العلمية والعملية، وفق إشراقات السيرة النبوية، التي تنَمِّي ملكاتهم الإبداعية، ومواهبهم الربانية، صوب الفلاح والنجاح. ويا أيها الجيل المحبّ في المشارق والمغارب: غذّوا المسير، وكونوا رَادَة التَّشْمير، للتَّحلِّي بشمائل نبيِّكم وأخلاقه، وتزيَّنوا بمناقبه، وتمثَّلوا هديه وأوصافه، عضّوا عليها بالنواجذ تَغْنموا وتسودوا، وتَنْعَموا وتقودوا. وفي المدينةالمنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله حق التقوى والتمسك من الإسلام بالعروة الوثقى، حيث أن من اتقى الله سبحانه وقاه الشرور والمهلكات وعافاه من خزي العقوبات وفاز في أخراه برضوان ربه والجنات. وقال في خطبة الجمعة اليوم: "إن الله عز وجل قد جعل هذه الدنيا دار عمل لكل فيها أجل وجعل الآخرة دار جزاء على ما كان في هذه الدار من الأعمال إن خيرا فخير وإن شرا فشر، مستشهدا بقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)، فالله سبحانه وتعالى قد أعان الناس على ما خلقوا له بما سخر لهم من مخلوقاته وما آتاهم من الأسباب، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكم ْنِعَمَه ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً). وبين فضيلته أن الإنسان إذا تفكر واعتبر وعلم ما منّ الله به عليه من عطاياه وهباته وما خصه به من الصفات والسجايا والتمكن من عمل الخيرات وترك المنكرات والمحرمات وعلم أن الدار الآخرة هي دار الأبد إما نعيم مقيم وإما عذاب أليم، حفظ وقته وحرص عليه وعمر أزمن حياته بكل عمل صالح وأصلح دنياه بالشرع الحنيف لتكون دنياه خيرا له ولعقبه، ولتكون حسنة العاقبة ؛ فلا خير في دنيا لا يحكمها الدين القيم ولا بركة في حياة دنيوية لا يهيمن عليها الإسلام، موردا قول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يرِيد الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَه فِيهَا مَا نَشَاء لِمَنْ نرِيد ثمَّ جَعَلْنَا لَه جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْموماً مَدْحوراً * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهوَ مؤْمِنٌ فَأولَئِكَ كَانَ سَعْيهمْ مَشْكوراً * كلا نمِدّ هَؤلاءِ وَهَؤلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظوراً). وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن أولى الناس بالحياة الطيبة والحياة النافعة المباركة من اقتدى بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته فهديه عليه السلام أكمل هدي، قال عليه السلام في الحديث "إنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاب اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْي محَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الأمورِ محْدَثَاتهَا"، فمن اقتدى بهدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياته فقد حاز الخير كله، وفاز بجنات النعيم ومن فاته هديه فقد فاته الخير كله. وحذر فضيلته المسلم من تضيع عمره في الغفلة وفي الإعراض عن العلم النافع والعمل الصالح والاشتغال بما لا يفيد ولا ينفع في دين ولا دنيا ولا سيما الشباب الذين هم بأشد الحاجة إلى كل ما يحفظ دينهم ومستقبل حياتهم وقال: "كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان تتأثر بما قبلها"، مشيراً إلى أن من أضر الأشياء على المسلم والشباب خاصة تتبع المواقع الضارة في الانترنت التي تهدم الأخلاق الإسلامية وقراءة كتب الإلحاد والفساد وصحبة الأشرار أصحاب الشهوات وقضاء الأوقات مع مسلسلات الفضائيات التي تصد عن الخير وتزين الشر والمحرمات والسهر. مؤكدا أن دواء كل داء في التمسك بهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.