أكدت دراسة أعدها المعهد الأمريكي الوطني للاضطرابات العصبية والدماغية وأثارت ضجة في وسائل الإعلام، أن من آثار استخدام شبكة الإنترنت أن بعض الناس أصبح (أكثر اعتماداً على الأفكار والحلول الجاهزة والمعلومات المتاحة للنقاش) بدلاً من أن يبذلوا المزيد في الاستقصاء ويبحثوا عن حلول أعمق وتحليلات أدق، والسبب الذي قدمته هذه الدراسة هو ما أسمته ب(تعددية المهام- multi-tasking-)، إذ إن الشخص لديه خيارات كثيرة في تصفح الإنترنت فيصبح مشغولاً بالتنقل عوضاً عن التركيز والتحليل العميق، وشبكات التواصل حالياً هي النموذج الأكثر وضوحاً لكل هذا! تجد مصداق مثل هذه الدراسة في الوسوم – hashtag- التي تناقش بعض القضايا المطروحة في (مجلس الشورى السعودي)، إذ يحتد النقاش أحياناً حول محاور لا علاقة لها بما هو مطروح فعلياً على طاولة المجلس، ولا أدل على ذلك من الحوار الدائر حول مقترح (نظام الوحدة الوطنية). تسيد الجدل في وسم #مجلس_الشورى_يرفض_مشروع_نظام_الوحدة_الوطنية، وكان أغلب المشاركين لا يعلمون أن إقرار هذا المقترح كان سيكون كافياً ل(إغلاق حساباتهم)، كونه (الرصاصة القاتلة في رأس حرية التعبير) التي أتاحتها الشبكات الاجتماعية! نعم المقترح بحسب تصريحات أعضاء الشورى نص في إحدى مواده بأنه (يشمل كل وسائل التعبير ووسائل التواصل الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والمدونات وغيرها)، وقد يبدو هذا مقبولاً إذا كانت المخالفة التي تستحق العقوبة محددة لكن تأمل صياغة بعض المخالفات (يحظر بأي وسيلة من وسائل التعبير المساس بالوحدة الوطنية) و(يحظر بأي وسيلة من وسائل التعبير إقصاء أي فئة من فئات المجتمع) و(يحظر بأي وسيلة من وسائل التعبير نشر الأفكار الداعية إلى الفتن الفكرية)، ولك أن تستخدم خيالك كيفما تشاء في تفسير (المساس) و(الإقصاء) و(الفتن الفكرية) وغيرها من المخالفات التي لم يحددها النظام وتركها عائمة! المخالفات المطاطية المذكورة ستكون سيفاً مُسلطاً على حرية التعبير في الشبكات الاجتماعية، وكل تلك الأصباغ التجميلية والتلميع الذي قام به مقدمو المقترح والمدافعون عنهم من الإعلاميين لا يلغي هذه الحقيقة، وهذا ما دفع عضو الشورى المتخصص في الإعلام الإلكتروني د.فايز الشهري إلى وصف هذا المقترح بأنه سيكون في مرحلة من المراحل أشبه ب «المكارثية» التي تلاحق الناس في أفكارهم ومشاعرهم وخواطرهم! نعم ببساطة لقد طالب (مؤيدو) مقترح (الوحدة الوطنية) الهش في وسم #مجلس_الشورى_يرفض_مشروع_نظام_الوحدة_الوطنية ب(اغتيال حريتهم) دون أن يدركوا ذلك، وأشغلتهم التسمية الرنانة للنظام المقترح والتي استغلت الواقع الذي يشهد محاولات لإيقاظ الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، أشغلتهم عن السؤال عن فحوى المقترح الذي تعارض (مواده المكارثية) عنوانه الأنيق، والذي حاول أصحابه تمريره تحت قبة الشورى فتصدى لهم العقلاءُ المتخصصون من أعضاء المجلس. وقد اكتفيت في هذه الأسطر بطرح الخلل الأكثر ضرراً من وجهة نظر إعلامية بحكم تخصصي، والتي تتمثل في استهداف النظام المقترح ل(حرية التفكير وحرية الكتابة وحرية التعبير) في الإعلام الإلكتروني، وإلا في المقترح المقدم ألفُ عِلة قانونية وأمنية وشرعية لا يتسع المقام لذكرها. وعوداً على بدء فقد أورد الكاتب السياسي الشهير (نعومي تشومسكي) ثلاثة أسباب جعلها كافية للحكم بأن شبكات التواصل وتحديداً "تويتر" قد تُساهم في (تسطيح قضايا خطيرة) ولها أبعاد مؤثرة على حياة الناس، أولها أنه (يسهل تحويل أهم القضايا والأفكار في تويتر إلى أشياء تافهة! خاصة إذا كان الشخص يملك مهارة الإقناع)، وثانيها (أن أي قضية تحتاج إلى أن تطرح من زوايا متعددة وتويتر يجعل الطرح ناقصاً والحجج مبتورة)، وثالثها أن تويتر يتيح (التركيز على المبدأ الرئيس والجدل حوله ويتجاهل الآراء التفصيلية المؤثرة في النتيجة)! وأترك لقارئ هذه الأسطر تطبيق هذه الأسباب على نقاشنا حول مقترح الوحدة الوطنية لنكون أكثر حرصاً وحذراً من الانزلاق في (دوامة التسطيح) التي تؤثر على مستقبل الأجيال القادمة. [email protected]