هنالك مشكلةٌ يعيشها كثيرٌ من الشباب في عالمنا الإسلامي. تتمثَّل في ضعف التربية على مبدأ الصراحة في الرأي، والمشاورة لأصحاب الخبرة والعلم، ولربما كان التفريط في هذا الجانب التربوي كلياً هو الواقع، فتنشأ الناشئة على حالة من عدم وضوح الرؤية للأمور الصغيرة والكبيرة، حتى إذا تعرَّض الشاب لصديق أو رفيقٍ أو أستاذٍ. له أفكار واتجاهات خاصة به، صالحة أو غير صالحة، تأثَّر بمن لقي، لأنَّ الوعاء فارغٌ أصلاً وانساق وراءَ ما تأثر به حتى يتحوَّل ذلك إلى قناعةٍ راسخةٍ تصبح «مبدأً» يؤمن به ذلك الشاب ولا يرى غيره صواباً، وهنا تكون المسألة خاضعةً للحظ، فإما أن يكون الطريق مستقيماً. وإما أن يكون منحرفاً، بحسب شخصية المؤثّر الذي صادف من الشاب قلباً خالياً فتمكَّن. وهذا الجانب خطيرٌ جداً، بالرغم من أنه لا يحظى باهتمامٍ وعناية كافيين من أولياء الأمور ورجال التربية والتعليم، ولربما غاب عن ذهن البعض فيما يلتفتون إليه، ولا يشعرون بأهميته. هنا يجب أن نفتح «بيوتنا» أولاً لنرى ما يدور فيها من علاقة بين الآباء والأبناء بين من يجب أن يكون لهم دور التوجيه والقدوة والتربية الواعية، وبين القلوب الغضَّة، والعقول المتفتحة من الأبناء والبنات، نفتح بيوتنا لنتساءل: هل تسير فيها العلاقة سيراً صحيحاً بين أفراد الأسرة؟ هل هنالك حوارٌ عائلي قائم على المصارحة والثقة والمودَّة والمحبة؟ هل هنالك شعور صادق من أولياء الأمور بأهمية التوجيه الديني الصحيح في المنزل، حتى لا يكون الفراغ لدى الأبناء والبنات كبيراً، يدفعهم إلى التأثُّر بالرأي القادم من وراء أسوار المنزل؟؟ إنَّ الأَوْلى بنا أن نكون جادِّين في النظر إلى الجانب التربوي لأبنائنا وبناتنا الذين نحرص دائماً على توفير ما يحتاجون إليه من حوائج الدنيا، وألاَّ نبقى في دائرة الاستنكار والتَّباكي حينما نرى من أولادنا ما يَسوء ويؤلم. وهذه الأسئلة يمكن أن تُوجَّه أيضاً إلى المدارس ومراكز التربية والتعليم وإلى وسائل الإعلام المختلفة، لأنَّ المسؤولية هنا مشتركة بين الجميع، ولأنَّ تراكم الإهمال من المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام والتوجيه يمكن أن يخرج لنا جيلاً مضطرباً لا يدري ماذا يصنع. لابد أن تُراجع المسألة بعيداً عن الصخب الإعلامي القائم على التهويل والتضخيم والتَّباكي المصطنع أحياناً من بعض «الكتَّاب المغرضين» أو العاجزين عن الفهم الصحيح للظواهر الاجتماعية التي لا تنشأ من فراغ. لماذا نجد في مجتمعاتنا شباباً شديدي الانحراف عن دينهم إلى درجة تركهم لأركان الإسلام التي يكفر المسلمُ بتركها، بل إلى درجة مجاهرة بعضهم بالشك في دينه وقيمه وأخلاقه، ومبادئ وطنه؟ ولماذا نجد بالمقابل شباباً شديدي التنطُّع في الدين والتعصبُّ إلى درجة عدم قناعتهم بأي رأي يعارض آراءهم، حتى لو كان هذا الرأي هو المؤيَّد بالأدلة الصحيحة الثابتة؟! لماذا نجد في مجتمعاتنا شباباً منبهرين بالآراء المتضاربة المتباينة المبثوثة عبر وسائل الإعلام المختلفة، بينما نجدهم يرفضون آراء العلماء والمفكرين الصحيحة المؤيدة بالأدلَّة الثابتة من الكتاب والسُّنَّة؟؟ هنالك أسئلة كثيرة تتسابق إلى ساحة هذا الموضوع تحتاج إلى إجابات صحيحة بعيداً عن الصَّخب الذي لا يحقِّق لنا من الرَّويَّة والتثبُّت ما يصحح الأخطاء، ويعالج المشكلات من جذورها. إنَّ هنالك فجواتٍ تربوية وتوجيهية خطيرة في مجتمعاتنا المسلمة، وهنالك ازدواجية في طرح القضايا تصيب عقول الشباب بالاضطراب، ولا يمكن العلاج بدون النظر الثاقب إلى أصل المشكلة. سألني أحد الشباب سؤالاً عبَّر فيه عن حَيْرةٍ مسيطرةٍ على ذهنه قائلاً: كيف أجمع بين الآراء الممتازة للمسؤولين وولاة الأمر في بلادنا عن أهمية جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإصلاح وعن دور هذا الجهاز في استتبات الأمن مع أجهزة الأمن الأخرى، وبين الهجمات الصحفية العنيفة التي تشنّها بعض الصحف على هذا الجهاز؟ أين الحقُّ، ومع من أقف؟؟ قلت له -محاولاً التخفيف من حيرته- الصحيح أن تقف مع رأي المسؤول الذي يدرك تماماً أهمية مثل هذا الجهاز الإرشادي من أجهزة الدولة، ثم عليك أن تسأل نفسك عن دور هيئة الأمر بالمعروف في بلدك، هل هو إيجابي أم سلبي، وأن تناقش أباك أو أستاذك أو من تستطيع أنْ تصل إليه من أصحاب الرأي دون أن تقع في هذه الحيرة. وقال لي الشاب كلاماً كثيراً، ولكنَّ أخطر شيء قاله لي هو: أما مناقشة أبي فهي لن تتحقَّق ولا في الأحلام، قلت له: لماذا؟ قال: هو لا يسمح لنا بالكلام الذي نُعبِّر فيه عن بعض حاجاتنا فكيف بالمناقشة! سؤال مهمٌ هنا يقول: كيف نريد شباباً مستقراً مع وجود هذه الثغرات الهائلة في التربية والتوجيه. الانسجام، وعدم الازدواجية، والموضوعية فيما نطرح من الآراء مسائل مهمة جداً لن تقوم للتربية الصحيحة قائمة بدونها. يقول المثل العربي: إذا شاورت العاقلَ صار عقلُه لك، فمتى ننقش حروف هذا المثل في أذهان شبابنا نقشاً، بحيث تكون المشاورة والمصارحة منهجاً تربوياً قائماً للجميع. إنَّ الآراء المتضاربة المتصارعة التي تنتشر في المجتمع بدون موضوعيةٍ تحكمها، ولا منهجٍ تربوي مستقرٍّ يضبطها تُسهم في إشاعة الاضطراب في عقول الناشئة ونفوسهم، وهذا الاضطراب هو مكمن الخطأ. إنَّ التربية الإسلامية الصحيحة هي التي تُرسِّخ قواعد الاستقرار في المجتمع، وتغرس في نفوس الشباب الشعورَ بأهمية توحيد الصَّفِّ، وجمع الشمل، وحراسة الأمن، ومواجهة الفتن بثبات ويقين. تتضاغى القُوى علينا وتبقي نبضة الحقِّ في الفؤاد الغَيُور