يوافق اليوم 3 شعبان، العديد من الأحداث التاريخية، وفي هذه الفقرة تسلط "تواصل" الضوء على أبرز هذه الأحداث 646ه سقوط مدينة إشبيلية في مثل هذا اليوم من سنة 646ه، الموافق 21 نوفمبر من عام 1248م، سقطت مدينة إشبيلية، كبرى حواضر الأندلس في أيدي «فرناندو الثالث» ملك قشتالة. وكان سقوطها إيذانا بسقوط سائر بلاد الأندلس الغربية وتقلصت رقعة الدولة المسلمة في الأندلس، فقد كان ذلك تاليًا لسقوط عدد من المدن الإسلامية الأندلسية، مثل: قرطبة، وبلنسية، وجيان. وأصبح الوجود الإسلامي في الأندلس محصورًا في مملكة غرناطة في الجنوب. أحدث سقوط سلطان الموحدين عن الأندلس دويًّا هائلاً على مجريات الأحداث في الأندلس، وتقسمت بلاد الأندلس لدويلات صغيرة وإمارات متناثرة. قام رجل أمير سليل الأسر الحاكمة السابقة للأندلس؛ وهو «المتوكل بن هود»، وقد كان أميرًا شجاعًا كريم الصفات يضطرم إخلاصًا وغيرة للإسلام والمسلمين وسعى لاسترجاع ما فقد، وخاض حروبًا شرسة ضد الصليبيين، ومنهم أهل قشتالة حيث اعتبروا أنفسهم حماة الصليب. دخل ابن هود الحروب على عدة جبهات ضد الصليبيين، فتم تدبير عملية اغتيال، لقتل «ابن هود» غيلة وخيانة سنة635ه. استغل الصليبيون مقتل «ابن هود» واستولوا على كثير من بلاد الأندلس، وساعدهم على ذلك اشتعال نار الفتنة بين أهل الأندلس، وفي تلك الآونة العصيبة التي أخذت فيها قواعد الأندلس العظيمة مثل قرطبة وبلنسية ومرسية تسقط تباعًا في يد الصليبيين، كان الزعماء المسلمون الأصاغر يؤثر إلى مصانعة ملك قشتالة الصليبي والانضواء تحت لوائه، وكانت أسبانيا الصليبية قد استولت على الولاياتالشرقية كلها، ولم يبق لها سوى التهام الولايات الغربية. وظهرت مملكة غرناطة وزعيمها الجديد «ابن الأحمر» الذي كان يحظى بتأييد جمهرة كبيرة من الشعب الأندلسي، ولا سيما في الجنوب، ولم يستطع جمع الأندلس حول لوائه ، بسبب تفشي روح التفرق والتنافس، التي كانت متأصلة في نفوس المتغلبين والطامعين، وآثر أصاغر الزعماء والحكام الانضواء تحت لواء ملك الصليبيين والاحتفاظ في ظله بمدنهم وقواعدهم على مظاهرة ابن الأحمر المسلم. استعد «فرناندو الثالث» ملك قشتالة الصليبي الاستيلاء على مدينة «إشبيلية» أعظم القواعد الأندلسية، فبدأ أولاً بالاستيلاء على حصن إشبيلية الأمامي؛ مدينة «قرمونة»، وتم ذلك بمعاونة حلفائه من المسلمين، وافتتح باقي الحصون القريبة من إشبيلية، وأقنع بعض قادة المسلمين المتحالفين معه أصحاب هذه الحصون لتسليمها لملك قتشالة، فتمهد السبيل لمحاصرة إشبيلية. بدأ الصليبيون محاصرة «أشبيلية» في جمادى الأولى سنة 645ه، وحشد «فرناندو» حول المدينة قوات عظيمة، وتسابق الأمراء والأشراف والأحبار والكهان للاشتراك في هذه الحملة الصليبية الخطيرة، وأحكم الحصار على إشبيلية عبر أسطول كبير رابط في نهر الوادي الكبير. دافع أهل إشبيلية عن مدينتهم حتى آخر رمق فيهم، وكان يقود المدينة وقتها القائد «شقاف»، وطال الحصار واشتد على المسلمين، وعمل أهل المغرب على إمداد المدينة المحاصرة بمساعدات من وقت لآخر. قارب الحصار على المدينة الثماني عشرة شهرًا، وأبدى المسلمون آيات من البسالة والجلد في الدفاع عن حاضرة الإسلام في الأندلس، وانقطعت بهم السبل، فلا قوة يدافعون بها، ولا قوت يتقوتون به. وبعد ملحمة من الصمود والدفاع عن حاضرة الإسلام بالأندلس اضطر أهل إشبيلية في الثالث من شعبان إلى تسليم المدينة على أن يؤمن المسلمون في أنفسهم وأموالهم، ويمهلوا شهرًا لتسوية شئونهم، وإخلاء دورهم والتأهب للرحيل، على أن يقوم ملك قشتالة بنقلهم على سفنه للأماكن التي يتخيرونها. قبل الصليبيون هذه الشروط، ودخل فرناندو الصليبي ملك قشتالة مدينة إشبيلية في 5 رمضان سنة 646ه في موكب فخم، وذلك بعد أن حكمها المسلمون أكثر من خمسة قرون، وبمجرد دخوله إشبيلية أصدر أمره بتحويل مسجدها الجامع إلى كنيسة وإزالة معالم الإسلام منها بسرعة. كان سقوط إشبيلية إيذانًا بسقوط سائر بلاد الأندلس الغربية وتقلصت رقعة الدولة المسلمة في الأندلس.