في مثل هذا اليوم من عام 1248 سقطت مدينة إشبيلية كبرى الحواضر الأندلسية في يد (فرناندو الثالث) ملك قشتالة. وكان غزو إشبيلية يحتاج إلى إعداد خاص وتجهيزات كثيرة، فلم تكن مدينة صغيرة يسهل فتحها، بل كانت من أكثر مدن الأندلس منعة وحصانة، كثيرة الخصب والنماء، متصلة بالبحر عن طريق نهر الوادي الكبير، وهو ما يمكِّنها من تلقِّي الإمدادات والمؤن من المغرب. اتخذ فرناندو الثالث للأمر أهبته، وعزم على حصار إشبيلية حصاراً شديداً، برّاً وبحرّاً، وسار في قواته الجرارة صوب إشبيلية عام 1246، وعبر نهر الوادي الكبير تجاه مدينة (قرمونة)، ناسفاً ما يقابله من زروع، ومخرباً ما يقع تحت يديه من ضِياع، وعلى مقربة من قرمونة وافاه ابن الأحمر أمير غرناطة في خمسمائة فارس، وسارا معاً جنوباً نحو قلعة جابر حصن إشبيلية من الجنوب الشرقي، وقام ابن الأحمر بمهمة مخزية، تتنافى مع المروءة والشرف والنجدة والعون، وتتعارض مع ثوابت الشرع من معاضدة الكفار وممالأتهم ومشاركتهم في حرب إخوانه المسلمين، فقام بإقناع حامية القلعة المسلمة بضرورة التسليم حقناً للدماء، وصوناً للأموال والأرزاق، ثم بعث فرناندو الثالث ببعض قواته لتخريب بعض المناطق بإشبيلية، ثم كرَّ راجعاً إلى قرطبة ومنها إلى (جيان)، حيث قضى هناك فترة الشتاء.عاود فرناندو الثالث حملته مرة أخرى عام 1247، وحاصر قلعة (قرمونة) أمنع حصون إشبيلية الأمامية من ناحية الشمال الشرقي. ولما رأى أهل قرمونة ضخامة الحشود، وأيقنوا بعدم جدوى الدفاع عرضوا تسليم المدينة بعد ستة أشهر إذا لم تصلها خلالها أي نجدة، فقبل ملك قشتالة، وسار في طريقه صوب إشبيلية بحذاء الوادي الكبير، واستولى في طريقه على (لورة) بالأمان، واعترف أهلها بطاعته، ثم اتجه إلى (قنطلانة) الواقعة شمالي إشبيلية على الوادي الكبير، فاقتحمها عَنوة، وأسر منها سبعمائة مسلم، ثم استسلمت له مدينة (غليانة)، وتبعتها (جرينة) القريبة منها، ثم قصد بلدة القلعة التي تطل على نهر الوادي الكبير، فثبتت المدينة، واستبسل أهلها في الدفاع عنها، وأبلوا بلاءً حسناً في رد النصارى القشتاليين، لكن ذلك لم يُغنِ عنهم شيئاً أمام قوات جرارة تشتد في الحصار، وتخرب الزروع المحيطة بالمدينة، فاتفق أمير المدينة على الانسحاب في جنده - وكانوا ثلاثمائة فارس- إلى إشبيلية، وتسليم المدينة بالأمان.