الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد ,, فإن الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء والمرسلين , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميراثهم الذي ورثهم فيه العلماء الربانيون والعباد الصالحون وهو نبض الأمة الذي يدل على حياتها , وفضلها الذي يدل على خيريتها, وهو الروح الذي تجتمع به القلوب , وتتحد من خلاله الكلمة , وتبدأ به طريق النصر والتمكين , وهو سبب النجاة وإن ظن من ظن أنه سبب الهلكة , وهو سبب العافية وإن توهّم البعض أنه سبب البلاء , وهو سبب الرفعة وإن شك قومٌ أنه سبب الأذى والإهانة . وهنا تبدو الحاجة إلى العلم والعلماء وتربية الأمة على مواقف العلماء الربانيين الذين لا يخشون في الله لومة لائم , فخير وسيلة للتربية هي التربية بالقدوة ولن تجدها إلا ببستان السلف تجد أريجها الفوّاح تعبق به القلوب والأرواح . حدثّ عن القوم فالألفاظ ساجدة خلف المحاريب والأوزان تبتهل فمواقف أهل الإيمان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضاربة في أعماق الزمن.. ومواكب النور لهذا الدين الواحد لها جذورها الراسخة منذ القدم, وسأورد نماذج لصحابتنا الكرام, والتي تعتبر أمثلة وضيئة شفافة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودافعةً للشبه الباطلة ومبينة الحق للناس, وستبقى مدى الأيام ناصعة منيرة بيضاء تهدي وتشد أزر العاملين. (بتصرف, زهر البساتين: 1/3-12-177- 195) . الإمام القدوة أبو الوليد الأنصاري عبادة بن الصامت الخزرجي – رضي الله عنه -: عن الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد، قال: كان عبادة بن الصامت مع معاوية، فأذّن يوما، فقام خطيب يمدح معاوية، ويثني عليه، فقام عبادة بتراب في يده، فحشاه في فم الخطيب، فغضب معاوية، فقال له عبادة: إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالعقبة، على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المدّاحين، فاحثوا في أفواههم التراب. ( سير أعلام النبلاء: 2/7 ) أبو أيوب الأنصاري الخزرجي النجّاري البدري – رضي الله عنه – الذي خصّه النبي – صلى الله عليه وسلم – بالنزول عليه في بني النجّار عند قدومه إلى المدينة: عن محمد بن كعب، قال: كان أبو أيوب يخالف مروان بن الحكم، فقال: ما يحملك على هذا؟ قال: إني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي الصلوات، فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك. ( السير: 2/409) والحديث أخرجه الطبراني, ورجاله ثقات كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد. أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري – رضي الله عنه -: عن أبي بن كعب قال: أتيت أبا ذر رضي الله عنه وهو عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس يستفتونه، فجاءه رجل فوقف عليه فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ قال: فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي، لو وضعتم الصمصامة على هذه – وأشار إلى قفاه – ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها. (رواه ابن حجر في المطالب العليّة وإسناده صحيح) الصمصامة: نوع من أقوى السيوف. وأشار إلى قفاه: أي عنقه . عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – وهو أشد الصحابة اتّباعا للسنّة.. وردت آثار بذلك وشأنه عجيب في هذا المضمار: قال إسحاق بن راهويه: أنبأ جرير عن القعقاع بن الصلت، قال: خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير غيّر كتاب الله، فقال ابن عمر: ما سلَّطه الله على ذلك، ولا أنت معه، ولو شئتُ أقول: كذبتَ, لفعلتُ. وعن ابن جريج، عن نافع: أن ابن عمر اعتزل ليالي قتال ابن الزبير والحجاج بمنى، فكان لا يصلي مع الحجاج. وروي عن شهر بن حوشب وغيره: أن الحجاج أطال الخطبة فجعل ابن عمر يقول: الصلاة الصلاة مرارا، ثم قام فأقام الصلاة فقام الناس، فصلى الحجاج بالناس، فلما انصرف قال لابن عمر: ما حملك على ذلك ؟ فقال: إنما نجيء للصلاة فصلِّ الصلاة لوقتها، ثم تفتق ما شئت بعد من تفتقه. (البداية والنهاية: 9/129) تفتق: تفتق فلان بالكلام: أنطق به لسانه. أبو بكرة الثقفي الطائفي نفيع بن الحارث – رضي الله عنه – مولى النبي – صلى الله عليه وسلم -: عن عبد العزيز بن أبي بكرة أن أبا بكرة تزوج امرأة من بني غدانة وأنها هلكت فحملها إلى المقابر فحال إخوتها بينه وبين الصلاة فقال لهم: لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم. قالوا: صدق صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصلى عليها , ثم إنه دخل القبر فدفعوه دفعا عنيفا فوقع فغشي عليه فحمل إلى أهله, فصرخ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت له, قال عبد العزيز وأنا يومئذ من أصغرهم , فأفاق إفاقة فقال لهم: لا تصرخوا علي فوا الله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفس أبي بكرة , ففزع القوم فقالوا: لم يا أبانا ؟ فقال: إني أخشى أن أدرك زمانا لا أستطيع أن آمر بالمعروف ولا أنهى عن منكر ولا خير يومئذ. (رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ورجاله ثقات) أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما -: روى البخاري في صحيحه عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه