الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد، فقد اطلعت على كلمة لأحد المشايخ بعنوان: ((نظرات شرعية في وسائل التعبير العصرية)) نشرت في 25/3/1432ه بعد المظاهرات والأحداث التي حصلت في بعض دول شمال أفريقيا، وقد اشتملت على تأييد المظاهرات السلمية وأنها شرعية، وكان اطلاعي عليها بعد نصف شهر من نشرها، وقد نشر بعد هذه الكلمة إيضاحاً ذكر فيه أن صاحب الموقع الذي نُشرت فيه الكلمة اقترح عليه حذفها مخافة أن يستغلها أهل السوء والجهل من بعض الشباب والكتاب والصحفيين وأنه وافق على هذا الاقتراح، وقد أحسنا جميعاً في حذفها، ولكون الكلمة انتشرت في مواقع أخرى أعلق على بعض ما جاء فيها بما يلي: 1 قوله: ((وقد كثر الخوض في حكمها (المظاهرات السلمية) بعد الثورة الشعبية السلمية في تونس ومصر وليبيا وغيرها، وكل هذه الثورات لم يسفك المظاهرون فيها دما ولم يشهروا سلاحا ولم ينهكوا نفسا أو يفسدوا شيئا من الممتلكات))، لا يخفى أن هذه المظاهرات التي ذهب فيها دولتان صاحبها اختلال في الأمن وحصول مفاسد وترتب عليها سلب ونهب وسفك دماء وأقل أضرارها التضييق على الناس في طرقاتهم وحصول الرعب للآمنين ثم إن الذين يقومون بتصريف الأعمال في الفترة الانتقالية بين الماضي والمستقبل لم يجر على ألسنتهم في ما علمت ذكر أي شيء فيه السعي لتطبيق شريعة الله في هذين البلدين المسلمين وكل ما في الأمر عندهم هو الدندنة حول ترسيخ الديمقراطية المستوردة من الغرب المباينة لشريعة الإسلام وإذا لم يتم للمسلمين في تلك البلاد حكمهم بشريعة ربهم فأي مكاسب ينشدونها بعد تلك الثورات التي لا يعدو الحال فيها أن يجيء وجوه بدل وجوه مع بقاء حليمة على عادتها القديمة كما في المثل، والله المستعان. 2 قوله: ((إن حق المسلم في حرية التعبير عن رأيه أكثر الحقوق التصاقاً بحق الحياة … إن التعدي على حرية التعبير ظلم وإهدار لكرامة الإنسان و تقييدها و إلزامه بتقليد الغير ووجوب التبعية له))، حرية التعبير للمسلم تكون في حدود ما هو سائغ شرعاً، وما أُطلق عليه تعبير سلمي كالمظاهرات والاعتصامات والمسيرات يُرجع في معرفة حكمه شرعاً إلى أهل العلم، ومن أبرز علماء الشريعة في هذا العصر شيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله وقد قال: ((فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم)) مجلة البحوث الإسلامية (38/210)، وكلامه واضح في منع المظاهرات السلمية وغير السلمية لا كما فهمه عنه صاحب المقال في قوله: ((فسماحته لم يعترض على المظاهرات السلمية وإنما منع المظاهرات غير السلمية وهي التي ينتج منها المفاسد والفتن وهذه حرام ولا شك))، قال ذلك تعليقاً على قول سماحته رحمه الله: ((إن العلماء وجميع الدعاة وأنصار الحق أوصوا بتجنب المسيرات والمظاهرات التي تضر بالدعوة ولا تنفعها وتسبب الفرقة بين المسلمين والفتنة بين الحكام والمحكومين)) مجموع الفتاوى (7/344)، ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فقد قال في لقاء الباب المفتوح (179) في جواب سؤال يتعلق بالمظاهرات؛ قال: ((عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى لا من المتظاهرين ولا من الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال. ، وإما على الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران ما يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن، وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقولون: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف))، ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله فقد وصف المظاهرات بأنها من عادات الكفار وأساليبهم التي تتناسب مع زعمهم أن الحكم للشعب وتتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم)) السلسلة الضعيفة (6531)، ومما جاء في بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 1/4/1432ه: ((وبما أن المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة فإن الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تثير الفتن وتفرق الجماعة، وهذا ما قرره علماء هذه البلاد قديماً وحديثاً من تحريمها، والتحذير منها، والهيئة إذ تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة، ولا يكون معه مفسدة، هو المناصحة وهي التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليها صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان))، وليس من اللائق بصاحب المقال تسويغه في مقاله قيام عدد من النساء قل أو كثر أمام وزارة الداخلية أو وزارة العدل أو المحكمة الشريعة أو دار الإفتاء يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن …، والطريق السليم أن تتقدم كل واحدة إلى الجهات المسئولة في حاجتها أو بيان مظلمتها وطلب رفع الظلم عنها. 3 قوله: ((إن حرية التعبير في الإسلام هي أساس الدعوة إلى الخير قال تعالى: