"سجن كبير" هكذا أصبح حال "اليمن السعيد" منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء منتصف سبتمبر الماضي، بحملات اعتقال وتغييب في أقبية السجون لكل من يرفع صوته بكلمة معارضة. الميليشيات الحوثية عملت على تشييد وبناء سجون جديدة في أكثر من منطقة، لاختطاف المزيد من اليمنيين وتعذيبهم، بجانب تحويل السجون المركزية التابعة للدولة التي استولوا علها بالقوة إلى سجون خاصة بهم، بالإضافة إلى مراكز وأقسام الشرطة، وبعض منازل المواطنين المغتصبة، ومقرات الأحزاب المناهضة للجماعة في العقيدة والفكر والسياسة. سجون سرية ووثقت منظمات حقوقية يمنية وأجنبية، هذه الجرائم، وتحدثت عن سجون سرية تحوي أعداداً غير محددة من المعتقلين والمختطفين، يمارس الحوثيون فيها أبشع الجرائم والانتهاكات الإنسانية بحق خصومهم من السياسيين والمدنيين، وكذا المخالفين لهم في العقيدة. وكشف تقرير لمنظمة "وثاق" لحقوق الإنسان، أن لدى ميليشيات الحوثي 86 سجناً منها 61 في محافظة صعدة وحدها، فيما توزعت باقي السجون الأخرى على محافظاتصنعاء وحجة وعمران، بالإضافة إلى السجون المركزية التابعة للدولة في مراكز المحافظات. وأوضح التقرير الحقوقي، أن لدى الجماعة 11 سجناً في محافظة عمران شمال اليمن، بالإضافة إلى السجن المركزي، وفي محافظة حجة يملك الحوثيون 9 سجون مقابل سجنين للدولة، وفي صنعاء أنشأ الحوثيون 5 سجون وهو العدد نفسه الذي تملكه الدولة في العاصمة، وسيطر الحوثيون عليها. وحول الحوثيون منزل القائد العسكري علي محسن الأحمر في العاصمة اليمنية صنعاء إلى سجن، قيل إن مدير مكتب رئيس الجمهورية الدكتور أحمد عوض بن مبارك كان قد احتجز فيه بعد اختطافه. ويستخدم الحوثيون المنازل التابعة لهم بصنعاء كمقرات احتجاز وتحقيق على مستوى كل منطقة، كمقرات حزب التجمع اليمني للإصلاح التي استولوا عليها بالقوة، وسجون الأمن المركزي التابعة للدولة في مراكز المحافظات، ومقر مبنى البحث الجنائي الذي سيطروا عليها عقب اقتحام العاصمة، بالإضافة إلى مراكز وأقسام الشرطة المكتظة بالمئات من المعتقلين الشبان والمدنيين الأبرياء. وتشير المعلومات إلى أن معظم المعتقلين لدى الحوثي هم من معارضيهم سياسياً، ومن الشباب الذين يقومون أو ينظمون التظاهرات اليومية في مدن البلاد، احتجاجاً على وجود الميليشيات في المدن. روايات الأهالي وذكرت رئيسة منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان، رضية المتوكل، أنها رأت في إحدى زياراتها لمحافظة صعدة حالة اعتقال لمواطن من قبل الحوثيين ولمدة زادت عن العامين، بتهمة "عدم ارتداء سروال داخلي"، وطالبت، في حينه بفتح سجون الحوثيين أمام منظمات حقوق الإنسان، غير أن دعوتها ذهبت أدراج الرياح. وتخشى والدة أحد المعتقلين لدى جماعة الحوثي، من ذكر اسم ولدها المختفي منذ اجتياح مسلحي الحوثي لصنعاء في ال21 من سبتمبر الماضي، ولا يعرف حتى الآن مكان احتجازه الحقيقي. تتحدث المرأة الخمسينية عن تفاصيل بسيطة لحادثة اختطاف ولدها، وعن معاناته المفترضة وسط السجن الغامض: "لديّ إحساس أن ابني الذي لم يكن ينتمي لأي طرف، يعاني داخل عنابر السجن"، وتتساءل: هل إخفاء الناس في سجون سرية من أخلاق مَن يسمون أنفسهم "أنصار الله"؟. واقعة أخرى يكشفها عبدالله المتوكل، والد المختطف في سجون الحوثيين بصنعاء محمد المتوكل، والمتهم من قبل الجماعة بالتورط في علاقة مع تنظيم القاعدة؛ لكونه إماماً لمسجد الغفران الذي يرتاده بعض من السلفيين. وبحسب رواية نشرتها صحيفة "العربي الجديد"، يقول المتوكل إن المكتب السياسي أو ما يسمى بلجنة الشكاوى التابعة للحوثي طلبوا منه تعبئة وثيقة ضمانة بسجل تجاري، تنص على التزامه بعد الإفراج عنه "بحسن السيرة والسلوك والحفاظ على الأمن والاستقرار". وأوضح والد المختطف أنه رفض تعبئة الضمانة؛ لأن محاميه أخبره أن غرضهم إدانة محمد باعتراف من أهله بصحة التهم الموجهة إليه وتبرير احتجازه لديهم. ويشير مراقبون إلى أن جماعة الحوثي تلتزم مبدأ التكتّم والسرية التامة فيما يتعلّق بمعلومات السجون وأماكنها، وما يتم داخلها من ممارسات وانتهاكات، كما تتكتم على قوائم مسلحيها وتقسيماتهم الميدانية، وحتى عن جرحاها وقتلاها في المواجهات التي تخوضها هنا وهناك، مبيّنين أن ما خفي من الانتهاكات داخل السجون قد يكون أعظم. ويرى حقوقيون أن ما هو أخطر من الاعتداءات الجسدية في سجون الجماعات المتطرفة ككل، هو محاولة الاعتداء على الذهن بهدف تغييره وثنيه عن قناعاته باستخدام أساليب ترغيب وترهيب. قانون مغيّب في حين وصف خبراء قانونيون ومحامون يمنيون ما يحدث داخل سجون الحوثيين السرية ب"العبث المعلن" في القانون اليمني الذي يتحدث في المادة (47) جنائي، عن أن المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو قانوني. كما يشير القانون اليمني في الفقرة – ب – من مادة "48" جنائي، بأنه لا يجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه إلا في حالة التلبّس أو بأمر توجبه ضرورة التحقيق وصيانة الأمن يصدره القاضي أو النيابة العامة، ويحظر حبس أو حجز أي إنسان في غير الأماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون، ويحرّم التعذيب والمعاملة غير الإنسانية عند القبض أو أثناء فترة الاحتجاز أو السجن. العائدون من أقبية التعذيب وتقول منظمات حقوقية إن الحوثيين لا يسمحون بأي زيارة لمعتقليهم في السجون السرية، لا لأسر المعتقلين، ولا للمنظمات الحقوقية، حيث إن بعض الخارجين من هذه السجون تحدثوا لوسائل إعلام عن ممارسات غير إنسانية مروعة يتعرضون لها داخل السجون التي يعد وجودها خرقاً للقانون اليمني ويغيبون فيها لسنوات دون محاكمة أو سند قانوني. ويستعمل الحوثيون وسائل تعذيب مختلفة من الضرب، ووضع فوهات البنادق على رؤوس المعتقلين، والركل بالأرجل، وأعقاب البنادق، والعزل الانفرادي، ويلجؤون في أحيان كثيرة للتصفية الجسدية للمعارضين.