رغم كل التهديدات التي تحيط بمستقبل (الحريات في الشبكات الاجتماعية), ورغم التقارير السنوية لمنظمة EFF عن (الحريات الرقمية), والتي تؤكد أن (الخصوصية الفردية) أصبحت في مهب الريح، خاصة في الشبكات الاجتماعية الأكثر استخداماً, إلا أن ثمة من يرى أن الخناجر التي امتدت لانتهاك خصوصية شعوب العالم ارتدت في صدور من صنعوها, حينما ولج العالم العربي إلى عالم الشبكات الافتراضي! اصطبغ الاستخدام العربي عموماً والسعودي خصوصاً بهموم الأمة بشكل عام, والحقوق المسلوبة بشكل خاص, وتعارفت الشعوب وتضامنت مع بعضها في قضايا شتى وهموم كثيرة, لتعيد مبدأ الجسد الواحد والهموم المشتركة, مما تلاه تزايد مهول في الوعي الذي غيب زمناً منذراً بظهور الحقائق التي علاها الغبار, وتناستها الأجيال ومؤكداً للحكمة الخالدة (قد تضيع الحقيقة.. لكنها لا تموت). استطاع العرب أن يبتكروا (فلسفة استخدامات) خاصة بهم, تتوافق مع احتياجاتهم وتعيد ترتيب أولوياتهم، وتجعل الشبكات الاجتماعية موجهاً رئيساً من لأولويات قضايا الرأي العام في تلك البلدان, فعادت نظرية الاستخدامات والإشباعات (المهملة) لتتصدر المشهد في بعض الأبحاث الغربية, كمحاولة لفك شفرة هذا الحراك وتحليل أبعاده, فحتى مؤسسو تلك الشبكات لم يخطر ببالهم أن تكون شبكاتهم أداة (توحد بها الكلمة) و(يجمع بها الشمل) و(يعلو بها الحق) و(ينكشف بها ضعف الباطل). وفي السعودية تسيدت (شبكة تويتر الاجتماعية) قمة الشبكات الأكثر استخداماً لاعتبارات عديدة, واستطاع السعوديون أن يعطوا صورة أكثر وضوحاً لقدرتهم على التوحد والاصطفاف دفاعاً عن مبدأ مشترك سواء في قضايا اجتماعية داخلية مثل حملة #الراتب_ما يكفي_الحاجة, أو قضايا ذات بعد ديني من قضايا الأمة مثل قضية العدوان الصهيوني على #غزة, أو قضايا ذات بعدين داخلي وخارجي مثل قضية المبتعث الأسير #حميدان_التركي والمبتعثة الفقيدة #ناهد_ المانع. وتأتي #عاصفة_ الحزم كنقطة تحول في تاريخ المنطقة, لتعيننا على إعادة النظر في الشبكات التي ينبغي استخدامها في توحيد صفوفنا والدفاع عن قضايانا, وإغلاق كل المنافذ التي قد يلج منها العدو المتربص, وأولها ثغرة (الوعي المبني على الأحكام لا التصورات), والذي أشبهه بحصون عالية بلا قواعد متينة, قد ينهار مع أول استهداف, ويتهاوى مع أول بلبلة. انتشار الوعي بقضايا الأمة مكتسب لا ينبغي التقليل منه, وأهمية وجود قادة رأي مؤهلين من ساسة مخلصين, ومفكرين مستقلين, وعلماء شرعيين ينضوي الناس تحت قيادتهم, مبدأ قرآني لا ينبغي التشكيك فيه, لكن وجود حد أدنى من العلم واكتمال التصورات لدى السواد الأعظم مطلب رئيس, يسد ثغرة الجهل ويجعل بناء الوعي حصناً متيناً على قواعد راسخة, لا يضره استهداف ولا ينال منه هجوم. الشبكات الاجتماعية أفرزت ظواهر سلبية من أخطرها (التسطيح الفكري), وهي من السلبيات التي توازي (إيجابية نشر الوعي) وقد تنال منها, إذ إنه رغم وجود من يعتبر محتوى الشبكات المختصر كمفاتيح تتيح له التنقيب في مواقع الإنترنت وبطون الكتب عن القضايا التي تتناولها, إلا أن الأغلبية تكتفي بالأحكام الجاهزة المعلبة فيها كمقلدين لمن يثقون به, دون أن يكلفوا أنفسهم تتبع الحقائق التي بنى عليها صاحبهم حكمه؛ وهذا يعني أنه في حال أخطأ هذا المفكر المجتهد، فإن فتيل النزاع قابل للاشتعال في أي لحظة بين مؤيديه ومخالفيه, وما أكثر ما عانت المجتمعات الإسلامية من النزاع في فروع وثانويات شغلتها عن الأصول والأولويات. والحل لكل ما سبق هو عدم الاكتفاء بمواقع التدوين المصغر، مثل تويتر وغيرها, بل استخدام شبكات مساندة لا تكتفي بمجرد التفاعل بين المتحاورين بل تجيب عن نهر الأسئلة المتدفق في المجالس العامة، ولا أصلح لهذا من (شبكة الآسك Ask.fm) التي تم تأسيسها عام 2010 من قبل (إيا تريبين), والتي لو خصص قادة الرأي ساعة واحدة أسبوعياً للإجابة عن الأسئلة التي تردهم فيها, لحصلنا على إجابات متينة وتصورات متكاملة, واستطاع القادة رفع مستوى الجماهير من تلقي الأحكام المعلبة إلى صناعة الأسئلة ذات العمق المعرفي، والثراء المعلوماتي. وأهم الأسباب التي تجعلني أرشح هذه الشبكة في تثقيف الشعوب, هي كونها تدعم اللغة العربية، وتتيح كتابة سؤال ب300 حرف، وإجابة بعدد وافٍ من الأحرف, أيضاً يمكن للسائل أن يخفي هويته مما يقلل الحرج الذي يصاحب إيراد الهوية الحقيقية حين طرح السؤال, أيضاً هذه الشبكة تتيح أرشفة الأسئلة بحيث يمكن لصاحب الحساب أن يحيل السائل لإجابة سابقة في حال تكرر السؤال, والأرشفة تمنح صاحب الحساب أيضاً فرصة جمعها وطرحها في كتيب يستفيد منه الجميع, ويمكن لصاحب الحساب ربطها بتويتر آلياً بحيث كلما أجاب عن سؤال ينشر كرابط في تويتر, وأخيراً الأسئلة تكون مخفية حتى يقرر صاحب الحساب نشرها؛ مما يتيح فلترتها وحذف البعض وتأخير الإجابة عن الآخر. وختاماً لا يزال استخدام شبكة الآسك في العالم العربي دون المستوى المأمول, ونحتاج أن نصدر الجدية التي أوجدناها في تويتر إلى هذه الشبكة, ووجود تجارب ناجحة لبعض العلماء يعكس القوة المؤثرة لهذه الشبكة التي تنقل الجماهير من دائرة التلقي والتفاعل بالتأييد والرفض إلى إعمال العقل في طرح الأسئلة يجعلنا نتفاءل بها, فالثغرات التي يفتحها الجهل تسهل استهداف المجتمعات, وتكفي ساعة واحدة أو اثنتان أسبوعياً للإجابة عن أسئلة الجماهير تتيح تحصيناً وافياً مبنياً على أصول راسخة، وبالذات في القضايا الدينية والعقدية من منطلق الوصية الربانية: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). ………………………………………………… [email protected]