قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[البقرة:106] من الأمور التي انتقدها أهل الزيغ و الضلال على القرآن واستدلوا بها على بشرية القرآن الكريم و جود النسخ، فقد كتب أحدهم: “وجود الناسخ والمنسوخ هذه من سقطات القرآن، فلو كان حقاً من إله يعلم الغيب، لما وجدنا تغييراً و تبديلاً للآيات، بل تعديل وإضافة كلمات” . فهم يعتبرون وجود النسخ في القرآن الكريم دليل على أن القرآن ليس من لدن إله، و لو كان منزلا من إله لما حصل التغيير و التبديل في القرآن. والجواب عن هذا: أولاً ينبغي بيان ما هو النسخ ؟ النسخ: “هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متأخر عنه”، فالنسخ إزالة حكم سابق، و إبداله بحكم آخر. والنسخ لم يأت عبثاً، وإنما لِحِكَمٍ عدة، فالنسخ عبارة عن تغيير عبادة أُمِرَ بها المكلف، و قد عَلِمَ الآمر حين الأمر أن لتكليف المكلف بها غاية ينتهي الإيجاب إليها ثم يرتفع بنسخها. وتتضح أهمية النسخ بمعرفة الحكمة منه، ومن هذه الحكم: 1 – فيه تربية للأمة، حيث يتنقل بها من طور إلى طور، وفق حكمة إلهية. 2 – تهيئة نفوس المؤمنين إلى قبول الحكم الأخير، فلو جاء الحكم النهائي والأخير من أول التشريع لربما نفرت النفوس من تطبيقه، أو طبقوه عن كره له، فكانت الحكمة الإلهية أن تُهيأ النفوس قبل ذلك لهذا الحكم الأخير. مثل: تحريم الخمر فقد جاء بيان ما فيها من الإثم والنفع، وأن أثمها أكبر من نفعها، ثم جاء منع الصلاة حالة السكر، ثم حُرمت الخمر في جميع الأوقات، وكذلك فُعل في تحريم الربا. 3 – مراعاة مصالح العباد وذلك: بأن ينسخ الحكم الذي لا يصلح للاستمرار، و يبدل بحكم آخر صالح للاستمرار على تبدل العصور والأيام. ولئن قيل: لم شرع الحكم الأول إذا لم يكن صالحاً للاستمرار؟ قلنا : إن ذلك الحكم كان صالحاً لتلك الحقبة التي شُرع فيها، والحال تقتضي ذلك الحكم في حينها. 4 – الابتلاء والامتحان، ليظهر من يمتثل الأمر من غيره. 5 – إرادة الخير للأمة، ذلك: أن الأحكام تتفاوت من سهولة وصعوبة، وتيسير وتشديد، فإذا كان النسخ من الأصعب إلى الأسهل كان تخفيفاً على المؤمنين. 6 – التدرج في التشريع إلى مرحلة الكمال، فالمسلمون في بداية الإسلام عانوا من المرحلة الانتقالية مما كانوا عليه من عقائد وعادات وموروثات نشأوا عليها، فجاءت الشريعة الإسلامية على مهل و تروٍ إلى أن تصل بهذه النفوس إلى الكمال المنشود، و كان ذلك من الانتقال بهم من السهل إلى الأصعب، أو من الصعب إلى الأصعب. و مما تقدم يتضح أن النصوص الإسلامية من القرآن ليست أقوال بشر تلقفها رسول الله منهم، وإنما هو تشريع إلهي حكيم. عبدالعزيز السريهيد