قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}[طه:113] من الشبه الموجهة إلى القرآن العظيم الزعم بأن التكرار في القرآن مجرد حشو لا معنى له، وقال الملاحدة ومن لف لفهم: “توجد آيات كاملة مكررة تماماً و بكثرة، ولا أدرى لماذا ؟ ألا يجد الله ما يقوله؟! ” . ويقول أحدهم: ” (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)، (القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة)، (فبأي آلاء ربكما تكذبان)، ويقول: هل تعرف أن أكثر من 60% من القرآن مجرد حشو لفظي فارغ و تكرار مزعج لا معنى له سوى محاولة التأثير على السامع بالإبهام” . ويقول آخر: “إذا كان القرآن هو كلام الله الوحيد للبشر حتى قيام الساعة فلماذا هو ملئ بالقصص المكررة و الآيات المبهمة و الحروف عديمة المعنى مثل (ألم، ص). ويقول آخر: “قصة فرعون من أكثر القصص التي تجعلني أجزم أن القرآن لا يمكن أن يكون من الإله… ” وجاء بكلام فيه تطاول على الله عز وجل خلاصته أن تكرار قصة موسى مع فرعون تدل أن القرآن ليس كلام إله. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. والجواب عن هذا سيكون عن مسألتين: الأولى: تكرار عبارات و ألفاظ في القرآن الكريم. الثانية: تكرار القصص فيه. أما جواب المسألة الأولى: وهي تكرار عبارات وألفاظ وحروف في القرآن، فيقال: 1 – التكرار لم يأت في القرآن عبثاً أو حشو كلام، بل جاء لحِكم بليغة و فوائد عظيمة، و من ذلك التقرير وقد قيل: الكلام إذا تكرر تقرر، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص و الإنذار في القرآن بقوله: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} ومن معاني (صرفنا): أي كررنا، وذلك لحكمة وهي أن يكون التكرار سبباً في إيقاظ التقوى لدى الناس والعظة. ومن فوائد التكرار، (التأكيد)، وزيادة التنبيه لنفي التهمة ليَكْمُلَ تلقي الكلام بالقبول. ويؤتى بالتكرار في مقام طول الفصل وخشية تناسي الأول، فيعاد مرة أخرى تذكيراً به ومثاله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيم}[النحل:119]. ويأتي التكرار للتهويل نحو }الحاقة * ما الحاقة{، و}القارعة * ما القارعة{. ومن فهمهم القاصر نقدهم لتكرار: {فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان}[الرحمن:13]. والتي كثيراً ما يحتجون بكثرة تكرار هذه الجملة في سورة الرحمن. ويقال لهم: بأن هذه الجملة تكررت نيفاً وثلاثين مرة، و كل واحدة تتعلق بما قبلها. وتكرار هذه العبارة جاء لأمور منها: أ – هذا هو أكثر صور التكرار في القرآن الكريم على الإطلاق. ب – مُهِدَ للتكرار تمهيداً رائعاً، حيث جاء بعد اثنتي عشرة آية متحدة الفواصل، وتكرر في التمهيد كلمة الميزان ثلاث مرات متتابعة، وقد أتاح هذا التمهيد مساحة كبيرة كانت كالمقدمة الطبيعية لتأليف النفس للتكرار الذي سيرد بعد ذلك. ج – طابع سورة الرحمن طابع تعداد النعم على الإنس و الجن، وبعد كل نعمة يعددها سبحانه تأتي عبارة (فبأي آلاء ربكما تكذبان)، وعلى هذا يكون التكرار تذكير وتقرير للنعمة كي لا يمكن نكارها. ومثل ذلك في قوله تعالى: }ويلٌ يومئذٍ للمكذبين{ فقد تكررت؛ ذلك لأنه تعالى ذكر قصصاً مختلفة، وأتبع كل قصة بهذا القول، كأنه قال عقب كل قصة: ويل للمكذبين بهذه القصة. عبدالعزيز السريهيد