الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: – ها قد انتهى شهر رمضان، سَعِد فيه المتقون، وذاق حلاوته العابدون؛ في نهاره صيام وتلاوة قرآن وبذل وعطاء وإحسان، وفي ليله تهجد وذكر ودعاء وتوبة واستغفار، فهنيئاً لمن عَمَر فيه وقته بالصالحات واستدرك اللحظات قبل الفوات. * وماذا بعد رمضان؟ – إنَّ العاقل من يُحكم البناء بعد أن أقامه، ويصدق في توبته بعد أن عاهد ربه، وألا يكون ممن قال الله فيهم: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) قال الإمام السدي: هذه امرأة خرقاء – أي مجنونة – كانت بمكة كلما غزلت شيئاً نقضته بعد إبرامه. – فالعاقل من عرف قيمة حياته، وثمن أنفاسه فجدّ بالتقرب إلى مولاه حتى بعد انقضاء شهر الخيرات: (وَاعْبُدْ رْبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ). * وماذا بعد رمضان؟ – لتكن حالك بعد رمضان شبيهة بحالك في رمضان، فربُّ شهر رمضان هو ربّ باقي الشهور! فداوم على فعل الخيرات وإن قلَّت، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ). قال النووي: والحكمة في أنّ القليل الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع: لأنّ بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة، وإخلاص النية، ويثمر القليل الدائم؛ بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة”. * وماذا بعد رمضان؟ قال بعض السلف: إن مِن علامة قَبول الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومِن علامة قَبول العمل اتباعه بعمل صالحٍ مثلِه، بل كما قال ابن القيم: “إنه من ثواب الحسنة بعدها، فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها: اعملني أيضاً، فإذا عملها قالت الثالثة كذلك، وهلمّ جراً، فتضاعف الربح، وتزايدت الحسنات. * لذلك فأوصيك – أخي القارئ – بالإكثار من الأعمال الصالحة، فمن ذلك: 1 – خصص لك يومياً ورداً من قراءة القرآن (يمكنك قراءة جزءاً من القرآن في ثلث ساعة). 2 – صُمْ الست من شوال، قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) قال العلماء: وإنما كان كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين. وكذا أيام البيض، وإن تيسر الاثنين والخميس. 3 – تصدق ولو بالقليل، فالصدقة شأنها عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمرئ يستظل بظل صدقته حتى يحكم بين الناس) أو قال: (يفصل بين الناس) وكان راوي الحديث أبو الخير لا يخطئه يوم إلا ويتصدق فيه ولو بكعكة أو بصلة. 4 – رطِّب لسانك بالذكر والاستغفار، فمن علامة محبة العبد لربه كثرة ذكره، ومن علامة محبة الرب لعبده أن يوفقه لكثرة ذكره. 5 – قم الليل: قال سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرةٌ) قال ابن عباس: من قيام الليل. وصلاة آخر الليل أفضل، وإن لم يتيسر فبعد صلاة العشاء. 6 – الزم الدعاء آناء الليل وأطراف النهار، قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) فهو عبادة ميسورة، به تنال أعالي الدرجات، وتنزاح عنك الهموم والأحزان. إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة… * وماذا بعد رمضان؟ اعلم – أخي القارئ – أنّ قوة المؤمن في قلبه، فإذا قوي قلبه؛ قوي بدنه على الطاعات فجاهد في إصلاح قلبك لتنقاد نفسك لفعل الخيرات مادام في العمر بقية.. – وما أحسن قول ابن القيم في الميمية: فبادر إذن ما دام في العُمر فسحةٌ ** وعذرك مقبول وصرفك قيّمُ …….. والحمد لله أولاً وآخراً.