تُوفي المدير السابق للمعهد العلمي بمكةالمكرمة، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الشيخ حمدان بن لفاي السلمي، عصر الأربعاء السادس من جمادى الأولى 1436ه، عن عمر ناهز الثمانين عاماً قضى غالبيتها في العمل التربوي والإنساني, ليصلى عليه بعد صلاة عشاء اليوم ذاته في الحرم المكي، وسط جموع تقدمهم تلميذه الشيخ الدكتور خالد الغامدي، إمام الحرم المكي الشريف, وجمع كبير من المشايخ والدعاة، يبرز فيهم الشيخ عبدالعزيز العجلان، والشيخ الداعية علي بن عبدالخالق القرني، والشيخ الدكتور فيصل غزواي إمام الحرم المكي الشريف. الشيخ الراحل يعد اسماً بارزاً في مجال الدعوة والعمل الخيري في مكةالمكرمة، وقد قدّم رحمه الله تعالى، أكثر من 60 عاماً في الدعوة إلى الله تعالى بعلمه وماله وجاهه، وتفرغ في سنواته العشرين الأخيرة لبناء قلعة متينة وحصن منيع، قل على أصحاب الهمم أن يبلغوه، حيث بنى رحمه الله وشيد (الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الكامل وقراها) عرفاناً منه بجميل الصنع، ورداً منه رحمه الله تعالى لكريم الفعال من أهله وأقاربه هناك، حيث بلغ عدد المستفيدين منها عشرات الآلاف، وتخرج أيضاً منها 160 حافظاً وحافظة، وطلبة العلم. وقال أصغر تلاميذ الشيخ الراحل، ساعد سعيد الجهني: "وداعاً أبا عبدالعزيز, عرفته قبل أكثر من ثلاثين عاماً كان كريماً جواداً مضيافاً، زرته في بيته في سن الشباب قبل ثلاثين عاماً فأكرمني إكرام الكبار (رحمك الله أبا عبدالعزيز), كان زاهداً ورعاً قانعاً بالحلال بعيداً عن الحرام، خرج من الدنيا خفيف الحمل إلا من الصالحات كان حكيماً حليماً متأنياً متزناً كان قليل الكلام يعد كلامه في المجلس". وحكي عن واحد من آخر مواقفه معه قائلاً: "جمعني به لقاء الأسبوع الماضي ساعات طوال تكلم فيه كل الناس إلا هو كان صامتاً لا يبدي رأيه إلا إذا طلب وهو هو حكيم زمانه، صاحب رأي ومشورة ما خاب من استشاره ولا خسر". ومضى متحدثاً عن خصاله بقوله: "كان سمحاً هيناً ليناً سهلاً حيياً صبوراً، كان متواضعاً بسوماً بشوشاً نبرة صوته تنبئك عن قلب رحيم، كان وفياً أميناً لوطنه وولاة أمره أسهم في بناء وطنه ونمائه دون أن يحصل علي شيء من حطام الدنيا، كان وفياً لقبيلته مسارعاً في نفعهم دون إخلال بحق غيرهم أو مجاملاً لهم في تضييع حق لغيرهم، مدرسة في العلم والتعليم والتربية والإدارة والقيادة والدعوة إلى الله وإصلاح ذات البين بين الخاصة والعامة، كان مدرسة في الالتزام بالمواعيد والوفاء بالعهود فهو رمز الوفاء، كان إماماً في كل شيء في التعليم فقد درس التفسير في المعهد العلمي، ودرس في مساجد مكة، وأم وخطب فيها وألقي المحاضرات فيها وفي غيرها، وألقي الكلمات الوعظية والتربوية والشرعية في كل مكان". وأوضح أن الشيخ الفقيد – رحمه الله – تولي وكالة المعهد العلمي وإدارته فكان خير قائد علي منهاج النبوة، وأبي إلا أن يدرس التفسير ولو فصلاً واحداً من حبه للعلم، كما أسس وشارك في تأسيس العديد من منظمات القطاع الخيري حباً في هذه البلاد وأهلها، وبذلاً للخير ورغبة في نفع الخلق، وحباً وطلباً للأجر والثواب من الله، ومن ذلك أنه "أسهم في تأسيس المكتب التعاوني الأول بمكة, وأسس المكتب التعاوني في الزاهر وترأسه, وأسس جمعية البر بالجموم, وأسس جمعية البر بالكامل، وأسس لجنة البر بالكامل, وجمعية تحفيظ القرآن بالكامل, وجمعية البر بوادي ستارة, ولجنة التنمية بوادي ستارة, وأسهم في تأسيس جمعية تحفيظ القرآن بالجموم, وشارك في عضوية مجلس التحفيظ بمنطقة مكة، وشغل منصب أمين مجلس, فضلاً عن عضوية مجالس الكثير من الجمعيات الخيرة بمكة". من جهته، قدم عميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى د. غازي العتيبي ستة مقترحات لأداء بعض ما يجب للشيخ حمدان – رحمه الله – رحمة واسعة، تمثلت في تسجيل رسالة ماجستير في قسم الدعوة عن حياة الشيخ، ودوره في الدعوة إلي الله والعمل الخيري، وجمع المواقف التربوية من حياته من خلال طلابه ومحبيه والعاملين معه في المعهد العلمي والجمعية والمكتب وغيرها، والتواصل مع زملائه في الرياض وغيرها، وإنشاء قناة "يوتيوب" عن الشيخ تشمل الصوتيات المتوفرة له وغيرها، وإنشاء وقف للشيخ، وتكليف من يقوم بمواصلة أعماله الخيرية حتى يستمر أجرها ونفعها، وتفقد احتياجات أولاده وأهله، والسعي في مساعدتهم. ونعى الشيخ علي عبدالخالق القرني الشيخ حمدان السلمي، قائلاً: يا لها من رزية في طود دعوي منيع وجبل تربية في تواضع ووقار رفيع، فالحمد لله على كل حال، وأسأل الله الكريم الذي لا يتعاظمه شيء أعطاه أن يأجرنا في مصيبتنا، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يفسح له في قبره وينوّر له فيه، وأن يكرمنا وشيخنا ومن نحب برحمته وجوده وفضله برفقة نبينا عليه الصلاة والسلام في أعلى جنة الخلد". وأضاف القاضي بالمحكمة الجزئية بمكةالمكرمة، الشيخ فهد العماري: "لقد فُجعت مكة وودعت وفقدت علماً لم تعرفه القنوات، ولا الصحف الإلكترونية، ولا حسابات "الفيسبوك، وتويتر"، فقدت علماً من أعلامها ورمزاً من رموزها، وحكيماً من حكمائها، فقدت أباً رؤوفاً ونبراساً للدعاة ومربياً للشباب وحكيم المواقف ودرة مكة ولؤلؤتها، لقد فقدته تلك القرى من مكة صوب المدينة وبكاه ذلك الطريق، بكاه الفقراء وأهل القرآن والعمل الخيري، كان مثالاً يُحتذى ونموذجاً يُقتدى في أدبه وسمته وحيائه ولطفه وشفقته ووفائه وقلة كلامه، في البذل والعطاء والصبر والجلد لدينه وأمته ووطنه". وتابع: "أحسب أن من أسباب نجاحه صدقه وإخلاصه لله، وعمله بصمت فهو من العملات النادرة في مهبط الوحي وقراها، وأحسب أن من أسباب نجاحه أنه لم تشغله تلك الصراعات المذهبية والمنهجية، وقد كف لسانه عن قيل وقال وتجريح وحظوظ نفس، كما أنه حدد مشروعاً وهدفاً ولم يلتفت لغيره وحاله (إذا سلكت طريق الشام فلا تلتفت لليمن)، كما أنه بذل وقته وعمره للدعوة". واعتبر أن الشيخ الراحل هو شيخ المربين والدعاة في مهبط الوحي، وشيخ عدد من أئمة الحرم والقضاة وأساتذة الجامعات في مهبط الوحي، سيرته من سيرة الكبار والأوائل، ففيها استنهاض للهمم، ونفض الغبار والكسل، وسلوك الجادة، وكف اللسان عن الأعراض، والزهد في الدنيا، والوقوف مع النفس، والاستعداد للدار الآخرة.