قالتها صديقتي وهي تفرك جبينها، وقد انعكست الحيرة على كل جزء من ملامحها، في منظر اختصر (معاناة) صديقتي مع الشبكات الاجتماعية وتحديداً تويتر! لم تكن (الصديقة الحائرة) من ذوات التخصصات الشرعية لتقرن الإنترنت بكلمة (فتنة)، فأنا وهي -آنذاك- كنا ندرس في مرحلة الماجستير في الإعلام الرقمي، وكانت جُلّ دراستنا عن إيجابيات وسلبيات الإعلام الجديد، والمفترض أننا حينها كنَّا (أكثر مَن يعرف كيفية التعامل مع هذه الشبكات)، لكننا بكل بساطة.. فشلنا. تعبيرها لامسَ جُرحاً في داخلي فعدت ذلك اليوم، وقد انتقلت لي عدوى (فرك الجبين)، وتساءلت: هل تمكنت التقنية مِن سلبنا القدرةَ في السيطرة على أنفسنا؟ أي نوع من التأثيرات استطاعت هذه (الإنترنت) أن تفعله في حياتنا؟! أي متعة أهدتنا؟ وأي لذة حرمتنا؟ أي.. وأي.. تتالت الأسئلة العابثة في تفكيري ينازعها صوتان: صوت يؤكد إيجابيتها ويسرد لي (الفرص الاستثمارية الذهبية) التي قدمتها، و(التأثير التوعوي السريع) الذي أحدثته، بل حتى (الدعوات الصادقة) و(الأثر الطيب) و(الصحبة المباركة) التي رزقنا بهم الله بسبب هذه (الإنترنت). وصوت آخر يسألني عن راحة بالي في الأيام الخوالي؟! عن الخشوع؟! عن بركة الوقت؟! عن ختم القرآن؟! عن مراجعته؟! عن الأعمال المؤجلة؟! عن الأوراق المتراكمة؟! عن المواعيد المتأخرة؟! عن الأعمار التي تطوى؟! يسألني عن صحبة الزمن الجميل، الذين استوطنت أرقامهم هواتفنا، وجعلتنا دوامة الشبكات الاجتماعية نبخل بوقتنا عنهم، حتى لم نعد نعرف عنهم سوى الأرقام! عن مؤلفات تئن.. لنصدر بشأنها (قراراً حاسماً).. تطير به إلى دور النشر.. بعد أن أشغلتنا التقنية حتى عن (اتخاذ القرارات)! عن (قلوبنا المشغولة) في الشبكات الاجتماعية بكل شيء، وفي الحياة بلا شيء! عن (الهموم) التي لطالما واجهناها قبلاً بشجاعة وثبات، وبعد الشبكات أصبحنا عنها نتشاغل.. وعن نزع فتيلها نتغافل.. عن (الأمنيات) التي تعاهدناها بالدعوات.. وأصبحنا نتعاهدها بالفضفضة والتغريدات! عن (الجراح)، التي أورثها خذلان مَن كنا لهم عوناً في الشدائد، فأشغلتهم الحياة عن مساعدة من تعاهدوهم بالوفاء! فلما تجاوزنا المحن، واستعنّا بالصبر والتجلد على الحَزَن؛ عادوا يسوقون الأعذار ويبررون الخذلان. ويؤكدون أنه لم يكن ليهنأ لهم نوم إلا بعد أن يزوروا حساباتنا ويطمئنوا أننا (مازلنا نغرد)!! ياااه.. هل (تغريد) صاحبك يُغنيك عن اتصال ترد به إليه بعضَ روحه؟! هل (صورة) يودعها في الانستقرام تكفيك لتتيقن أنه يعيش السعادة ويلتحف الهناء؟! هل التواجد في الشبكات.. مبرر لنفي الخيبات؟ هل تواجدهم في حساباتهم، يُغنيهم عن تواجدنا في حياتهم؟ هل.. وهل.. ويعود السؤال الذي أيقظته صاحبتي ابتداء: (هل الإنترنت فتنة؟)