الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: التكافل الاجتماعي من ركائز المجتمع المسلم ، فالمؤمنون أخوة ،والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ، ومن أبرز أوجه ذلك التكافل إقراض المال للآخرين ؛فلا يخلو المسلم من أن يمرّ بضائقة مادّية لظرف عارض لا يدوم ، فيضطّر إلى من يعينه على تجاوز تلك الضائقة ، لذا كان إقراض المال من مكارم الأعمال وعلامات المروءة ،وهو باب من أبواب المعروف المشهود لها في الشرع المطهّر، إذ فيه تيسيرٌ على المحتاج وصونٌ لماء الوجه عن مذلّة السؤال. * وقد ورد في فضل السلفة أو القرض الحسن أحاديث عدّة، منها: 1- قال ﷺ:”إن السلف يجري مجرى شطر الصدقة “صححه الألباني. فمثلًا لو أسلفت رجلًا ألف ريال فكأنك تصدقت بخمسمائة ريال ثم ما يلبث أن يعود مالك إليك وقد كسبت أجرًا- بإذن الله -ولم تخسر منه شيئًا. 2- قال ﷺ:”ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتهما مرة” حسنه الألباني. 3- وعن بريدة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول اللهﷺ يقول: “مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ “قَالَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : “مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ” قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ؟ قَالَ : “لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ “صححه الألباني. فدلّ الحديث على أنه يُحتسب للدائن كأنه تصدّق بقيمة قرضه الذي أقرضه أخاه المسلم كلّ يوم؛ وذلك قبل حلول أجل الدين، فإذا حلّ الدين ولم يزل المَدِين مُعسرًا، فسمح له صاحب الدين، وأفسح له في الأجل فإنّ له بكل يوم من أيام إنظاره صدقة بقدر ضعف ماله الذي أقرضه أخاه، حتى يوفيه دينه الذي عليه، وهذا من فضل الله وكرمه على عباده. * إعانة الله لمن في نيته ردّ السلفة: -قالﷺ: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله”. هذا الحديث من معجزات النبوة…قال بعضهم: الله سبحانه مُطّلع على النّيات، من استدان وفي نيته أنه يريد أن يسدد يسّر الله له السداد ولو بعد حين ، حتى لو تُوفِّي فإنّ الله يُعين ورثته على السداد، أما الثاني فلا يوفَّق في السداد، وربما تُوفِّي وهو لم يسدّد، ثمّ عجز ورثته من بعده، وربما نُسي فعُذّب بذلك الدَّين. * السلفة عقد بين الدائن والمَدِين فلابد من توثيقه فكثير من الناس يستهين بالتوثيق ؛ إمّا ثقة في المَدِين أو حياءً منه أو خوفًا من عتابه أو لأن الدَّين مبلغ يسير في نظره ،وهذا يُعدّ تفريطًا، فقد أرشد الله عباده -وهو الحكيم الخبير بهم- أن يكتبوا الحقّ صغيرًا كان أو كبيرًا،(وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا) وكم تعجّ المحاكم بمثل هذه القضايا التي فرّط أصحابها في التوثيق. * خيانة المَدِين: بعض اللئام يطلب السلفة متلطفًا ، موهمًا صاحب المال بوفائه وصدق نيّته برد السلفة في تاريخ متفق عليه …. فإذا حلّ وقت الدين؛ فإذا هو مُخادع كذاب، لا يبدي أسفًا أو اعتذارًا ، بل يتهرّب من اللقاء فلا يجيب هاتفا ولا يقبل وسيطًا، وتمرّ أيام وشهور بل وسنون دون أن يفي بدينه ، وربّما وصل اللؤم ببعضهم أن ينكر هذا الدين!! وحينئذٍ يوقن الدائن أنه خُدع، وأن ماله لن يعود، والله المستعان !وعزاؤه أن أجره لن يضيع بإذن الله!! ولكن يا حسرة على ذلك المخادع وأمثاله.. ليت شعري كيف يطيب لهم العيش وقد أكلوا أموال الناس بالباطل باسم السلفة؟! وربما ترتب على هذا المال تجارة أو مكسب فيكون قد بناه من مال حرام ، فقد قالﷺ : “أيُّما رجل يدّينُ دَينًا وهو مُجمعٌ أن لا يوفِّيه إياه لقي الله سارقًا”. * كلمة أخيرة: أخي القارئ ..لا تثقل نفسك بالدين إلا في ضرورة مُلحّة وفي حدود ضيقة، ويكفينا فرارًا من الدين أن الرسول ﷺ كان يتعوّذ من الدّين صباح مساء . أما إن كنت ممّن بسط الله له في رزقه وأفاض عليه من واسع فضله فلا تتردد بإقراض من طلب منك قرضًا تحتسبه عند الله صدقة لك و توسعة على مسلم ، وتفريجًا لكربة….فمن وسّع على مسلم وسّع الله عليه، والجزاء من جنس العمل. هذا، والله أعلم، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد.