ذهب صاحبي في يوم لإحدى الجامعات السعودية، حيث كان مدعواً في ندوة علمية حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأثناء دخوله القاعة استوقفه أحد مشاهير السوشيال ميديا الذي كان حاضراُ بغرض التغطية ، وأمسك المشهور يد صاحبي اليسرى بيده اليمنى، بينما كان يمسك هو الآي فون بيده اليسرى ، فرحب به وطرح عليه سؤاله، فأجابه سريعاً. وبعد نهاية اللقاء، أمسكت جهازه بيدي اليمنى، وسألته لماذا تمسكه بيدك اليسرى؟، فقال لي بعفوية شديدة للأسف لأني أعسر سيدي ! فقلت له مداعباً أتعلم أن العُسر أكثر ذكاء من اليُمن، فأجابني أعلم، ولكن الذكاء وحده لا يكفي في عملنا الإعلامي. ذُعرت من إجابته، وقلت له بل ذكاؤك وحده يكفيك، فقال لي مجدداً الذكاء وحده لا يكفي، مستطرداً كثيرون من الأذكياء حولنا تحاصرهم التعاسة، ويقيدهم الخوف والرهبة، وأشار على الحضور الذي يملأ القاعة وكان معظمهم من الإعلاميين. ذكاؤك وحده يكفيك، كررتها عليه ثالثة، فقال يا سيدي كم من متواضع في ذكائه، لكنه بارع في تواصله مع الناس، متميز في إقامة جسور المودة والحب مع الآخرين، يمتلك من الإصرار والعزيمة ما يجعله لا يهدأ باله إلا بعدما يحقق ما يصبو إليه، وهؤلاء – لا غيرهم – هم الناجحون والسعداء حقاً . ذالكم خير، جملة عرفت قيمتها، بعدما انتهيت من الحوار الذي دار بيني وبينه عقب انتهاء مقابلته مع صديقي ، بالفعل ذالكم خير، فالذكي منا هو الذي يحافظ على علاقاته، ويمتلك المهارات التي تجتمع مع بعضها البعض، لتجعله قادراً على الارتباط مع الآخرين، ولديه القدرة على التواصل معهم بفاعليةٍ عاليةٍ؛ فعندما يكون الإعلامي قادراً على فهم عقله وذاته، ويحاول التعايش معها فهو بذلك يملك قدرةً كبيرة، أمّا إن كان قادراً على التعايش، والتواصل مع الآخرين، والتعامل معهم بنجاحٍ في وقتٍ واحدٍ، فهو بذلك يمتلك قدرةً أكبر منه، وهي تُعبر عن ذكاءٍ بشري صادرٍ منه، يصل بصاحبه لحد العبقرية الاجتماعية، لا ذكاء اصطناعي كما الذي نشارك في ندوته هذه. فالذكاء الذي يتطلبه العمل الإعلامي وفق رؤية هذا المشهور هو الذكاء الاجتماعي لا النمطي، والذي يعرفه الخبراء بأنه القدرة على إدراك العلاقات الاجتماعية، وفهم الناس، والتفاعل معهم، وحسن التصرف في المواقف، والأوضاع الاجتماعية، والسلوك الحكيم في العلاقات الإنسانية، مما يؤدي إلى التوافق الاجتماعي، ونجاح الفرد في حياته الاجتماعية. ذكاء الإعلامي اجتماعياً أصبح مطلباً مهماً من متطلبات العمل الإعلامي، وسمة رئيسة من سمات الإعلامي الناجح، ويرتبط ذكاء الإعلامي الاجتماعي بشكل أساسي بذكائه العاطفي وذكاءه اللغوي، لأن الأول يساعده على إدراك مشاعر وعواطف متابعيه بصورة سليمة، والثاني يساعده على توظيف كلماته ومفرداته ليؤثر في الأشخاص بالشكل الذي يريده، وكلاهما يمثلان جوهر النجاح في الذكاء الاجتماعي واكتسابه. ذوو الومضات الذهنية التي يعدونها أصل النجاح والتفرد والتميز في العمل الإعلامي هم في الحقيقة واهمون، فالذكاء العقلي وحده لم يعد كافياً كما قال ، وإنما الذكاء الاجتماعي هو ما يؤهل الإعلامي عادة لتطوير مهاراته الشخصية، والتعرف على نقاط القوة والضعف لديه، وتوظيف ما لديه من طاقاتٍ كامنة، وإمكانياتٍ كبيرة، جسدية وعقلية للتواصل مع متابعيه، ومحاولة قراءة أفكارهم، ومساندتهم، كما يساعده على العمل على تكوين صداقاتٍ جديدة في دائرة عمله، فكلما كانت علاقات الإعلامي متعددة، أمكنه الحصول على قدرات إضافية وفرص أفضل، في مجالات عمله، وبها يصبو لحلمه، ويحقق هدفه، لتسعه قلوب الملايين.